‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما313

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما313

حدثنا بهز، حدثنا سليمان يعني ابن المغيرة، عن ثابت، حدثنا رجل من الشام، - وكان (4) يتبع عبد الله بن عمرو بن العاص ويسمع - قال: كنت معه فلقي نوفا، فقال نوف: ذكر لنا أن الله تعالى قال لملائكته: ادعوا لي عبادي، قالوا: يا رب، كيف والسماوات السبع دونهم، والعرش فوق ذلك؟ قال: إنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله، استجابوا، قال: يقول له عبد الله بن عمرو: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب أو غيرها، قال: فجلس قوم أنا فيهم ينتظرون الصلاة الأخرى، قال: فأقبل إلينا يسرع المشي، كأني أنظر إلى رفعه إزاره ليكون أحث (1) له في المشي، فانتهى إلينا، فقال: " ألا أبشروا، هذاك ربكم أمر بباب السماء الوسطى - أو قال: بباب السماء - ففتح، ففاخر بكم الملائكة، قال (2) : انظروا إلى عبادي، أدوا حقا من حقي، ثم هم ينتظرون أداء حق آخر يؤدونه " (3)

مِن فَضلِ اللهِ تعالى على عِبادِه المُؤمِنينَ أنَّه سُبحانَه فضَّلهم على كَثيرٍ مِن خَلقِه؛ فالمَلائِكةُ مَعَ ما تَقومُ به مِنَ الأعمالِ العَظيمةِ للهِ تعالى، وهم عِبادٌ مُكرَمونَ، لا يَعصونَ اللهَ ما أمَرَهم ويَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ، إلَّا أنَّ اللهَ تعالى يُباهي بخَلقِه المَلائِكةَ؛ ولهذا اختَلف أهلُ العِلمِ، أيُّهما أفضَلُ: هَل المَلائِكةُ أم صالِحو البَشَرِ؟ وفي الحَديثِ إخبارٌ بأنَّ اللهَ تعالى يُفاخِرُ بالمُحافِظينَ على الصَّلواتِ المَلائِكةَ، فيَقولُ التَّابعيُّ ثابتٌ البُنانيُّ: حَدَّثَنا رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ. وبلادُ الشَّامِ في هذا الزَّمَنِ تَشمَلُ دَولةَ الأُردُنِّ وفِلَسطينَ وسوريا ولُبنانَ، والرَّجُلُ المُبهَمُ هنا هو أبو أيُّوبَ المَراغيُّ، كَما جاءَ مُبَيَّنًا في رِوايةٍ أُخرى، وكان يَتبَعُ عَبدَ اللهِ بنَ عَمرِو بنِ العاصِ، ويَسمَعُ، أي: أنَّه كان يَحضُرُ مَجالِسَ عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما ويَسمَعُ لأحاديثِه، يَقول أبو أيُّوبَ المَراغي: كُنتُ مَعَه، أي: مَعَ عَبدِ اللهِ بنِ عَمروٍ، فلَقيَ نَوفًا. وهو نَوفٌ البِكاليُّ، وهو مِنَ التَّابِعينَ مِمَّن كان عِندَه مَعرِفةٌ بالكُتُبِ السَّابقةِ، فقال نوفٌ لعَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو: ذُكِر لنا، أي: في الكُتُبِ السَّابقةِ، أو ألسِنةِ بَعضِ الأنبياءِ السَّابقينَ عليهمُ السَّلامُ: أنَّ اللهَ تعالى قال لمَلائِكَتِه: ادعوا لي عِبادي، أي: نادُوهم لي حتَّى يَسمَعوني. فقالتِ المَلائِكةُ: يا رَبِّ، كَيف؟ أي: كَيف يَحضُرونَ عِندَك، والسَّمَواتُ السَّبعُ دونَهم؟ أي: حائلةٌ بَينَهم، والعَرشُ فوقَ ذلك؟ أي: وكذلك العَرشُ، وذلك أنَّ العَرشَ فوقَ السَّمَواتِ السَّبعِ، واللهُ سُبحانَه فوقَ العَرشِ، فقال اللهُ: إنَّهم إذا قالوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، استَجابوا، أي: أجابوا دَعوتَكُم بالحُضورِ عِندي. فعِندَ ذلك قال عَبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما: صَلَّينا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صَلاةَ المَغرِبِ أو غَيرَها، فجَلسَ قَومٌ أنا فيهم يَنتَظِرونَ الصَّلاةَ الأُخرى، أي: جَلستُ مَعَ قَومٍ نَنتَظِرُ الصَّلاةَ الأُخرى، وهيَ صَلاةُ العِشاءِ، فأقبَل إلينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُسرِعُ المَشيَ، أي: يَشتَدُّ في مَشيِه حتَّى مِن شِدَّةِ سَعيِه، كَأنِّي أنظُرُ إلى رَفعِه إزارَه، أي: ثَوبَه الذي يُغَطِّي أسفَلَ البَدَنِ؛ ليَكونَ أحَثَّ، أي: أسرَعَ له في المَشيِ، فانتَهى إلينا، أي: وصَل إلى القَومِ الذينَ جَلسوا يَنتَظِرونَ الصَّلاةَ الأُخرى، فقال لهم: ألا أبشِروا، هذاك رَبُّكُم أمَرَ ببابِ السَّماءِ الوُسطى -أو قال: ببابِ السَّماءِ- ففُتِحَ، ففاخَرَ بكُمُ المَلائِكةَ، أي: باهى وأثنى عليكُم عِندَ المَلائِكةِ، وقال لهم: انظُروا إلى عِبادي، أدَّوا حَقًّا مِن حَقِّي، أي: الصَّلاةَ المَفروضةَ، ثُمَّ هم يَنتَظِرونَ أداءَ حَقٍّ آخَرَ يُؤَدُّونَه، أي: ثُمَّ قَعَدوا يَنتَظِرونَ فريضةً أُخرى ليُصَلُّوها.
وفي الحَديثِ إثباتُ صِفةِ الكَلامِ للهِ تعالى.
وفيه ثَناءُ اللهِ تعالى على المُؤمِنينَ عِندَ المَلائِكةِ.
وفيه بَيانُ فَضلِ المُؤمِنينَ على المَلائِكةِ.
وفيه إثباتُ العَرشِ.
وفيه فَضلُ قَولِ لا إلهَ إلَّا اللهُ.
وفيه أنَّ انتِظارَ الصَّلاةِ بَعدَ فِعلِ الصَّلاةِ مِن موجِباتِ الأجرِ وأسبابِ مُباهاةِ رَبِّ العِزَّةِ لمَلائِكَتِه بمَن فعَل ذلك.
وفيه مَشروعيَّةُ تَبشيرِ الإمامِ رَعيَّتَه بالخَير
.