حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبد الله، أخبرنا سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن رصاصة مثل هذه - وأشار إلى مثل جمجمة (1) -، أرسلت من السماء إلى الأرض، وهي مسيرة خمس مائة سنة، لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة، لسارت أربعين خريفا، الليل والنهار، قبل أن تبلغ أصلها، أو قعرها " (1)
قوله : ( لو أن رصاصة ) بفتح الراء والصادين المهملتين أي قطعة من الرصاص قال في القاموس : الرصاص كسحاب معروف لا يكسر ، ضربان أسود وهو الأسرب ، والإبار وأبيض وهو القلعي . وقال في بحر الجواهر : الرصاص بالفتح والعامة تقول بالكسر القلعي ، كذا في القانون وفي كنز اللغات . وقال صاحب الاختيارات : هو القلعي فارسيه " أرزيز " ، ويستفاد من المغرب وفي النهاية والصراح والمقاييس وجامع ابن بيطار أن الرصاص نوعان أحدهما أبيض ويقال له القلعي بفتح اللام ، وهو منسوب إلى قلع بسكون اللام وهو معدنية وثانيهما أسود ويقال له الأسرب انتهى ( مثل هذه ) إشارة إلى محسوسة معينة هناك كما أشار إليه الراوي بقوله : ( وأشار إلى مثل الجمجمة ) قال القاري : بضم الجيمين في النسخ المصححة للمشكاة وهي قدح صغير . وقال المظهر : بالخاءين المعجمتين وهي حبة صغيرة صفراء ، وقيل هي بالجيمين وهي عظيم الرأس المشتمل على الدماغ ، وقيل : الأول أصح ، انتهى . والجملة حالية لبيان الحجم والتدوير المعين على سرعة الحركة . قال التوربشتي : بين مدى قعر جهنم بأبلغ ما يمكن من البيان ، فإن الرصاص من الجواهر الرزينة ، والجوهر كلما كان أتم رزانة كان أسرع هبوطا إلى مستقره لا سيما إذا انضم إلى رزانته كبر جرمه ثم قدره على الشكل الدوري فإنه أقوى انحدارا وأبلغ مرورا في الجو ، انتهى . قال القاري : فالمختار عنده أن المراد بالجمجمة جمجمة الرأس على أن اللام للعهد أو بدل عن المضاف إليه وهو المعنى الظاهر المتبادر من الجمجمة ( أرسلت ) بصيغة المجهول ( وهي ) أي مسافة ما بينهما ( ولو أنها ) أي الرصاصة ( أرسلت من رأس السلسلة ) أي المذكورة في قوله تعالى : ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه فالمراد من السبعين الكثرة ، أو المراد بذرعها ذراع الجبار ( لسارت ) أي لنزلت وصارت مدة ما سارت ( أربعين خريفا ) أي سنة ( الليل والنهار ) أي منهما جميعا لا يختص سيرها بأحدهما ( قبل أن تبلغ ) أي الرصاصة ( أصلها ) أي أصل السلسلة أو ( قعرها ) شك من الراوي . قال القاري : والمراد [ ص: 265 ] بقعرها نهايتها وهي معنى أصلها حقيقة أو مجازا ، فالترديد إنما هو في اللفظ المسموع . قال : وأبعد الطيبي حيث قال : يراد به قعر جهنم لأن السلسلة لا قعر لها . قال : وجهنم في هذا المقام لا ذكر لها مع لزوم تفكيك الضمير فيها وإن كان قعرها عميقا ، انتهى .