مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 275
مسند احمد
حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا عاصم ابن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، كان أبو لبابة، وعلي بن أبي طالب، زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقالا نحن نمشي عنك، فقال: «ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما»
الإنسانُ مَهْما بلَغَ مِنَ التَّقْوى فهو مُحتاجٌ إلى فضْلِ اللهِ وأجْرِه، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -وهو المغفورُ له ما تَقدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تأخَّرَ- حَريصًا على تَحصيلِ الأجْرِ مِنَ اللهِ بالعمَلِ الصَّالِحِ والعبادةِ، وفي إظهارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلكَ للنَّاسِ واجتِهادِه معَ ربِّهِ؛ إرشادٌ للمُسلِمينَ أنْ يَعمَلوا، ولا يَستكثِرُوا أعمالَهُم، ولا يَكسَلوا عن الصَّالحاتِ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ أَصْحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانوا في غَزْوةِ بَدْرٍ، «كلُّ ثلاثةٍ على بَعيرٍ»؛ أي: كلُّ ثَلاثةٍ مِنَ الرِّجالِ يَتناوَبونَ الرُّكوبَ على جَمَلٍ واحدٍ، وذلكَ لقِلَّةِ عدَدِ الإبلِ بالنِّسبةِ لعدَدِ المُحارِبينَ، «فكان أبو لُبابةَ»؛ وهو رِفاعةُ بنُ عبدِ المُنذِرِ الأنْصاريُّ الأَوْسيُّ، «وعليُّ بنُ أبي طالبٍ»، كانا «زَميلَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»؛ أي: مُرافِقَيْه على البَعيرِ، والزَّميلُ هو الرَّفيقُ، أو يكونانِ معَه على الزَّامِلةِ؛ وهي البَعيرُ الَّذي يَحمِلُ المسافرُ عليه طَعامَهُ ومَتاعَهُ. فقال ابنُ مَسعودٍ: «فكانتْ إذا جاءَتْ عُقْبةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» أي: نَوبةُ نُزولِهِ؛ ليَركَبَ أحَدُ زَميلَيْه، قالا -أبو لُبابةَ وعليٌّ-: «نحنُ نَمشي عنكَ»؛ أي: نَمشي بدلًا منكَ في نَوبةِ كلِّ واحدٍ منَّا، وتظَلُّ راكبًا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما أَنتُما بأَقْوَى مِنِّي»؛ أي: لَستُما بأَقْوى تَحمُّلًا للمَشْيِ مِنِّي، وهذا في الدُّنْيا، «وما أنا بأَغْنَى عنِ الأجْرِ مِنكُما»؛ أي: ولَستُ مُستغْنيًا عن أجْرِ المَشْيِ في سَبيلِ اللهِ، وهذا مِن إظهارِ غايةِ التَّواضُعِ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمُواساةِ معَ الرُّفْقةِ، والافتقارِ إلى اللهِ تَعالَى
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَشروعيَّةِ تَناوُبِ المجموعةِ في الرُّكوبِ على الدَّابَّةِ
وفيه: بَيانُ تَوقيرِ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وإظهارُ رَغبتِهِم في تَحمُّلِ المَشقَّةِ عنه