‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما345

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما345

حدثنا عبد الرزاق، حدثنا محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت، وتجوز شهادته لغيرهم " (1) والقانع: الذي ينفق عليه أهل البيت

 أعراضُ النَّاسِ مَصونةٌ مُحتَرَمةٌ لا يَنبَغي لأحَدٍ أن يَتَكَلَّمَ أو يَقذِفَ أحدًا إلَّا ببَيِّنةٍ صَحيحةٍ؛ حَتَّى لا يَكونَ ذلك بابًا مفتوحًا لمَن أرادَ أن يَتَكَلَّمَ في أعراضِ النَّاسِ؛ ولهذا جاءَتِ الشَّريعةُ بالتَّحذيرِ مِنَ الكَلامِ في الأعراضِ، بَل وجَعَلَت فيمَن تَكَلَّمَ في عِرْضِ أحَدٍ بغَيرِ بَيِّنةٍ الحَدَّ بالجَلدِ ثَمانينَ جَلدةً، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]؛ ولهذا لمَّا شَهِدَ جَماعةٌ على المُغيرةِ بنِ شُعبةَ -رَضِيَ اللهُ عنه- بالزِّنا، استَدعاهم عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه حَتَّى يَستَمِعَ لشَهادَتِهم، فإنِ اتَّفَقوا أقامَ الحَدَّ حَدَّ الزِّنا على المَقذوفِ، وإنِ اختَلَفت شَهادَتُهم أقامَ الحَدَّ حَدَّ القَذفِ عليهم، يَقولُ قَسامةُ بنُ زُهَيرٍ، وهو أحَدُ التَّابِعينَ: لمَّا كان مِن شَأنِ أبي بَكرةَ والمُغيرةِ الذي كان، وذَكَر الحَديثَ.

وهو أنَّ أبا بَكرةَ قال للمُغيرةِ: اجتَنِبْ أو تَنَحَّ عن صَلاتِنا؛ فإنَّا لا نُصَلِّي خَلْفَك، وكَتَبَ إلى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه في شَأنِ المُغيرةِ، وذلك أنَّ المُغيرةَ كان واليَ عُمَرَ على البَصرةِ، فكَتَب عُمَرُ إلى المُغيرةِ: أمَّا بَعدُ، فإنَّه قد رَقِيَ إليَّ مِن حَديثِك حَديثٌ، فإن يَكُنْ مَصدوقًا عليك فلأن تَكونَ مُتَّ قَبلَ اليَومِ خَيرٌ لَك، فدَعا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه الشُّهودَ، فشَهدَ أبو بَكرةَ وشِبلُ بنُ مَعبِدٍ وأبو عَبدِ اللَّهِ نافِعُ بنُ الحارِثِ. وكُلُّهم صَحابةٌ، فشَهِدوا على المُغيرةِ بنِ شُعبةَ بالزِّنا، فلَمَّا شَهدَ هَؤُلاءِ الثَّلاثةُ شَقَّ على عُمَرَ شَأنُه، أي: أنَّه خافَ أن يُتِمَّ الرَّابعُ الشَّهادةَ ويُقامَ الحَدُّ على المُغيرةِ، فيُشمَتَ بأصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلَمَّا قدِمَ زيادٌ، وهو زيادُ بنُ أبي سُفيانَ، وليس بصَحابيٍّ، وهو الشَّاهدُ الرَّابعُ، قال له عُمَرُ: إن تَشهَدْ إن شاءَ اللهُ إلَّا بحَقٍّ، أي: ذَكَّره وخَوَّفه بعَظيمِ أمرِ الشَّهادةِ، فقال زيادٌ: أمَّا الزِّنا فلا أشهَدُ به، أي: امتَنَعَ عنِ الشَّهادةِ بأنَّ المُغيرةَ زَنا، ولَم يُفصِحْ بذلك، ولَكِن قد رَأيتُ أمرًا قَبيحًا، أي: لَكِنَّه لا يَصِلُ إلى الزِّنا، فعِندَ ذلك قال عُمَرُ: اللهُ أكبَرُ! وفي رِوايةٍ أنَّه قال: الحَمدُ للَّهِ الذي لَم يُشمِتِ الشَّيطانَ بأصحابِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. حُدُّوهم، أي: أقيموا عليهمُ الحَدَّ، فجَلَدوهم، أي: حَدَّ القاذِفِ، فقال أبو بَكرةَ بَعدَما ضَرَبَه: أشهَدُ أنَّه زانٍ، أي: أنَّه مُتَيَقِّنٌ مِن شَهادَتِه، فهمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه أن يُعيدَ عليه الجَلدَ مَرَّةً أُخرى؛ لأنَّه قَذَف المُغيرةَ مَرَّةً أُخرى، فنَهاه عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه، وقال: إنْ جَلَدتَه، أي: أبا بَكرةَ، فارجُمْ صاحِبَك، أي: المُغيرةَ؛ لأنَّه -واللَّهُ أعلَمُ- يَكونُ بشَهادةِ أبي بَكرةَ مَرَّةً أُخرى استَوفى حَدَّ الشَّهادةِ أربَعَ مَرَّاتٍ؛ ولذا تَرَكَه عُمَرُ ولَم يَجلِدْه.

 وفي الحَديثِ أنَّ حَدَّ الزِّنا لا يَثبُتُ إلَّا بأربَعةِ شُهَداءَ.

 وفيه أنَّه إذا نَقَصَ العَدَدُ عن أربَعةٍ فيُحَدُّ الجَميعُ حَدَّ القَذفِ.