‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما421

مسند احمد

‌‌مسند عبد الله بن عمرو بن العاص  رضي الله عنهما421

حدثنا عتاب بن زياد، حدثنا عبد الله يعني ابن مبارك، أخبرنا عبد الله بن شوذب، قال: حدثني عامر بن عبد الواحد، عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يقسم غنيمة أمر بلالا رضي الله تعالى عنه، فنادى ثلاثا، فأتى رجل بزمام من شعر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن قسم الغنيمة، فقال: يا رسول الله، هذه من غنيمة كنت أصبتها، قال (2) : " أما سمعت بلالا ينادي ثلاثا؟ " قال: نعم، قال: " فما منعك أن تأتيني به؟ " فاعتل له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لن أقبله حتى تكون أنت الذي توافيني (3)

للجِهادِ في سَبيلِ اللهِ أحكامٌ كَثيرةٌ تَتَعَلَّقُ به، ومِنها أحكامُ الغَنيمةِ، وهيَ: ما يَأخُذُه المُقاتِلونَ مِن أموالِ أهلِ الحَربِ، فتُقَسَّمُ بَعدَ المَعرَكةِ بَينَ المُقاتِلينَ بَعدَ إخراجِ الخُمسِ مِنها، وجاءَتِ النُّصوصُ بالتَّحذيرِ مِنَ الغُلولِ مِنَ الغَنيمةِ، وهو الأخذُ مِنها قَبلَ قِسمَتِها، يَقولُ عَبدُ اللَّهِ بنُ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أصابَ مَغنَمًا، أي: غَنيمةً مِنَ العَدوِّ، أمَرَ بلالًا وهو مُؤَذِّنُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنادى في النَّاسِ، أي: يُنادي بلالٌ في النَّاسِ أن يُحضِروا ما عِندَهم مِمَّا أخَذوه مِنَ الغَنائِمِ، فيَجيءُ النَّاسُ بغَنائِمِهم، أي: يُحضِرونَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أخَذوه مِنَ الغَنيمةِ في الغَزوةِ، فيُخَمِّسُه، أي: على خَمسةِ أقسامٍ، ثُمَّ يُخَمِّسُ قِسمًا مِنها على خَمسةِ أسهُمٍ، ويُقَسِّمُه، أي: يُقسِّمُ ما بَقيَ بَعدَ التَّخميسِ على الغانمينَ، وهو أربَعةُ الأخماسِ، فأتاه رَجُلٌ بَعدَ ذلك، أي: بَعدَما انتَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن قِسمةِ الغَنيمةِ، بزِمامٍ، وهو الخَيطُ الذي يُشَدُّ في الحَلقةِ في أنفِ البَعيرِ، ثُمَّ يُشَدُّ في طَرَفِه المِقوَدُ، وقد يُسَمَّى المِقودُ زِمامًا، مِن شَعرٍ، أي: كان هذا الزِّمامُ مِن شَعرٍ، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَا سَمِعتَ بلالًا يُنادي ثَلاثًا؟ أي: ثَلاثَ مَرَّاتٍ، أو يُنادي ثَلاثةَ أيَّامٍ، والمَعنى: هَل سَمِعتَ بلالًا وهو يُنادي أن يُحضِرَ كُلُّ شَخصٍ ما عِندَه ويُكَرِّرُ ذلك؟ فقال الرَّجُلُ: نَعَمْ، أي: قد سَمِعتُه يُنادي بذلك. فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فما مَنعَك أن تَجيءَ به؟ أي: فما الذي أخَّرك أن تَأتيَ بما مَعَك؟ فاعتَذَرَ إليه، أي: أظهَرَ الرَّجُلُ بَعضَ الأعذارِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن سَبَبِ تَأخيرِه وإحضارِه لِما مَعَه. والظَّاهرُ أنَّ الرَّجُلَ لَم يَصدُقْ في اعتِذارِه؛ ولِذلك لم يَقبَلْه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعَلِمَ سوءَ نيَّةِ الرَّجُلِ، فتَرَكَه وما غَلَّ حتَّى يُؤتى به يَومَ القيامةِ، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كُن أنتَ الذي يَجيءُ به يَومَ القيامةِ! أي: خُذه مَعَك حتَّى تَأتيَ به يَومَ القيامةِ، فلَن أقبَلَه مِنك، أي: أنَّك تُحاسَبُ عليه يَومَ القيامةِ؛ لأنَّك أخَذتَه مِنَ الغَنيمةِ بغَيرِ حَقٍّ، ولَم تَأتِ به ليُقسَمَ بَينَ المُستَحِقِّينَ، فيَبقى مَعَك حتَّى تَوافى يَومَ القيامةِ بوِزرِ ذلك. أمَّا أنا فلَن آخُذَه مِنك. وقيلَ في مَعنى ذلك: أنَّ هذا وارِدٌ على سَبيلِ التَّغليظِ لا أن تَوبَتَه غَيرُ مَقبولةٍ ولا أنَّ رَدَّ المَظالِمِ على أهلِها أوِ الاستِحلالَ مِنهم غَيرُ مُمكِنٍ. وقيلَ: إنَّما لَم يَقبَلْ ذلك مِنه لأنَّ جَميعَ الغانمينَ فيه شَرِكةٌ، وقد تَفرَّقوا وتَعَذَّرَ إيصالُ نَصيبِ كَلِّ واحِدٍ مِنهم إليه، فتَركَه في يَدِه ليَكونَ إثمُه عليه؛ لأنَّه هو الغاصِبُ.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ تَخميسِ الغَنيمةِ قَبلَ قِسمَتِها.
وفيه أنَّ الإمامَ هو الذي يَتَولَّى قِسمةَ الغَنائِمِ.
وفيه مَشروعيَّةُ التَّثليثِ في النِّداءِ إذا احتيجَ إلى ذلك.
وفيه بَيانُ الوعيدِ الشَّديدِ على الغُلولِ مِنَ الغَنيمةِ.