مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 214

مسند احمد

مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 214

حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عمران، عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض، عن عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه» وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا: كمثل قوم نزلوا أرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق، فيجيء بالعود، والرجل [ص:368] يجيء بالعود، حتى جمعوا سوادا، فأججوا نارا، وأنضجوا ما قذفوا فيها

حذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أُمَّتَه مِن الذُّنوبِ كلِّها صَغيرِها وكَبيرِها؛ لأنَّه إذا كانتِ الكبائرُ ظاهِرَةً، وأثَرُها واضِحًا، فإنَّ صَغائِرَ الذُّنوبِ قد تَكثُرُ في فِعلِ الإنْسانِ دُونَ أن يَشعُرَ، فتُصبِحُ مُهلِكةً له
وفي هذا الحديث يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إيَّاكُم ومُحقَّراتِ الذُّنوبِ" والمَعْنى احْذَروا مُحقَّراتِ الذُّنوبِ، وهي ما لا يُبالي المرءُ به مِن الذُّنوبِ مُستَصغِرًا لها؛ "فإنَّهن يَجْتَمِعْنَ على الرَّجُلِ حتى يُهْلِكْنَه"، فبيَّن أنَّ التَّحْذيرُ منها؛ لأنَّها أسْبابٌ تُؤَدِّي إلى ارْتِكابِ الكَبائِرِ، فصِغارُ الذُّنوبِ تَجُرُّ بعْضُها بعْضًا حتى تُهلِكَ المَرْءَ إذا لم يُكفِّرْ عنها "كمثلِ قومٍ نزلوا أرضَ فلاةٍ"، أي: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً طَلبًا لِمَزيدٍ مِنَ الفَهْمِ، بقوم نزلوا صحراء، "فحضر صنيعُ القومِ فجعل الرجلُ ينطلقُ فيجيءُ بالعودِ والرجلُ يجيءُ بالعودِ"، والعودُ هو صِغارُ فُروعِ الأَشْجارِ الجافَّةِ "حتى جمعوا سوادًا"، أي: كَمًّا كبيرًا "فأَجَّجوا نارًا" بإشْعالِها "وأنضجوا ما قذفوا فيها" أي: أنضجوا ما وضعوه في النار كالطَّعامِ وغيْرِه، وفي رِوايَةِ الحُمَيديِّ: "فكذلِك الذُّنوبُ"، أي: أنَّ الصَّغائِرَ إذا انْضَمَّتْ وتَراكَمَتْ اسْتَعْظَمَ أَمْرُها، وكان وَبالًا على صاحِبِها
وفي الحديث أن الهلاك قد يكون بسبب أشياء صغيرة لا يراها الإنسان شيئاً بل يحتقرها
وفيه تقريب الفكرة وتعميق أثرها في نفس المخاطَب بالمثال
وفيه حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه استعمال القياس، بقياس أثر الذنوب الصغيرة في الإهلاك باجتماع الأعواد الصغيرة في الإحراق الشديد