مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 37
مستند احمد
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من أهل [ص:70] الكتاب، فقال: يا أبا القاسم، أبلغك أن الله عز وجل يحمل الخلائق على أصبع، والسماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والثرى على أصبع؟ «فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه» ، فأنزل الله عز وجل: {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91] الآية
أنْزَلَ اللهُ سُبحانه وتعالَى القرآنَ حاكِمًا على ما سَبَقَه مِن كُتبٍ وشَرائعَ؛ فشَريعتُه وأحكامُه قاضيةٌ على كلِّ ما سبَقَ مِن شَرائعَ، وقد طالتْ أَيدي التَّحريفِ ما سَبَقَ القرآنَ مِن كتُبٍ سَماويَّةٍ؛ فحرَّفَ اليهودُ التَّوراةَ، وحرَّفَ النَّصارى الإنجيلَ وزادوا التَّوراةَ تَحْريفًا، وواجِبُ المسلِمِ ألَّا يُصدِّقَهم إلَّا فيما جاء تصديقُه في كتابِ اللهِ أو سُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفي هذا الحَديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ حَبْرًا مِن أحبارِ اليَهودِ -أي: عالِمًا مِن عُلَمائِهِم- جاءَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَقالَ: «يا مُحَمَّدُ، إنَّا نَجِدُ» أي: في التَّوراةِ «أنَّ اللهَ يَجعَلُ السَّمواتِ عَلى إصبَعٍ، والأرَضينَ» جمعُ أرضٍ «عَلى إصبَعٍ، والشَّجَرَ عَلى إصبَعٍ، والماءَ والثَّرَى» وهو الترابُ النَّدِيُّ «عَلى إصبَعٍ، وَسائِرَ الخَلائِقِ عَلى إصبَعٍ، فَيَقولُ: أنا المَلِكُ»، أي: المُتَفَرِّدُ بِالمُلكِ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَتَّى ظَهَرَتْ أنيابُهُ مِن الضَّحِكِ؛ تَصديقًا وموافقةً لِقَولِ العالِمِ اليهوديِّ، ثُمَّ قَرَأ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]، أي: ما عَرَفوهُ حَقَّ مَعرِفَتِهِ وما عَظَّموه التعظيمَ اللائِقَ به؛ مِن التزامِ أَمْرِه، واجتنابِ نَهْيِه، وعبادتِه وَحْدَه دونَ أن يُشرِكوا به، ومذهَبُ السَّلَفِ على إثباتِ ما ورد من صفاتٍ للمَولى عزَّ وجَلَّ في الحَديثِ والآيةِ مِن غيرِ تَشبيهٍ ولا تأويلٍ ولا تكييفٍ ولا تعطيلٍ، وإرجاعُ عِلمِ ذلك إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ
وفي الحَديثِ: إثباتُ أنَّ لله أصابِعَ مِن غَيرِ تَكييفٍ وَلا تَمثيلٍ ولا تشبيهٍ
وفيه: عَظَمةُ قُدرةِ اللهِ سُبحانه وتعالَى