مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه 17
حدثنا عبد الله، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثني أبو معشر - يعني البراء، واسمه يوسف بن يزيد - حدثنا ابن (1) حرملة، عن سعيد بن المسيب، قال:
حج عثمان، حتى إذا كان في بعض الطريق أخبر علي أن عثمان نهى أصحابه عن التمتع بالعمرة والحج (2) ، فقال علي لأصحابه: إذا راح فروحوا. فأهل علي وأصحابه بعمرة، فلم يكلمهم عثمان، فقال علي: ألم أخبر أنك نهيت عن التمتع، ألم يتمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فما أدري ما أجابه عثمان رضي الله عنه (3)
علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحجَّ والعُمرةَ، وأركانَهما، وسُننَهما، وآدابَهما، كما أعلَمَنا بالمواقيتِ الزَّمانيَّةِ والمكانيَّةِ لهما، وما يُباحُ فيهما وما يحرُمُ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي التَّابعيُّ سالمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ: "أنَّه سَمِعَ رجُلًا مِن أهلِ الشامِ، وهو يَسأَلُ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ عن التَّمتُّعِ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ" والتَّمتُّعُ في الحجِّ هو: أنْ ينوِيَ الحاجُّ عُمرةً مع حجَّتِه، فإذا قدِمَ مكَّةَ واعتمَرَ وانتهى مِن عُمرتِه، فله أنْ يتحلَّلَ مِن إحرامِه ويتمتَّعَ بكلِّ ما هو حَلالٌ، حتَّى تبدَأَ مناسِكُ الحجِّ،
"فقال عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ: هي حَلالٌ" أي: يَجوزُ التَّمتُّعُ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ، "فقال الشاميُّ: إنَّ أباك" وهو عُمَرُ بنُ الخطابِ رضِيَ اللهُ عنه "قد نَهى عنها"، أي: في خِلافَتِه،
"قال عبدُ اللهِ: أرأيْتَ إنْ كان أبي نَهى عنها، وصَنَعَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم"، أي: أمر بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
"أمرُ أبي نَتَّبِعُ أمْ أمْرُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم؟"، أي: فأيُّ الأمريْنِ أوْلى بالاتِّباعِ؟ أمْرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمْ أمْرُ عُمَرَ لَمَّا كان خَليفةً للمسلِمينَ؟
"فقال الرَّجُلُ: بلْ أمْرُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم، فقال: لقدْ صَنَعَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم" وكان سبَبُ منعِ عُمَرَ للتمتُّعِ ما ذَكَرَه مُسلِمٌ وابنُ ماجَهْ، أنَّ أبا موسى الأشعريَّ سَأَلَ عُمَرَ عن ذلك مع عِلمِه بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد فَعَلَها، فقال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه: "قد علِمْتَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَعَلَه وأصحابُه"، أي: يعلَمُ أنَّ التَّمتُّعَ بالعُمرةِ إلى الحجِّ هو مِن فِعلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه مِن بعدِه، "ولكنِّي كَرِهْتُ أنْ يظلُّوا بِهنَّ مُعرِّسينَ تحتَ الأراكِ"، أي: كَرِهَ عُمَرُ للمُتمتِّعِ مُخالطتَه للنِّساءِ إلى أنْ يدخُلَ وقتُ الحجِّ؛ لأنَّه يَقْتضي التَّحلُّلَ، ووطءَ النِّساءِ إلى حين الخُروجِ إلى عَرفاتٍ، والأراكُ: نوعٌ مِن الشَّجرِ يُسْتَظَلُّ به، ويُسْتَخْرَجُ منه المِسواكُ، "ثمَّ يَرُوحونَ بالحجِّ تقطُرُ رُؤوسُهم"، أي: مِن مياهِ الاغتسالِ مِن الجِماعِ القريبِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على اتِّباعِ سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتقديمِها على غيرِها مِن الآراءِ والمذاهِبِ إن ثَبَتَتْ .