مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه 22
حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا عوف الأعرابي، عن معبد الجهنى، عن حمران بن أبان، قال:
كنا عند عثمان بن عفان، فدعا بماء فتوضأ، فلما فرغ من وضوئه تبسم، فقال: هل تدرون مما ضحكت؟ قال: فقال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما توضأت، ثم تبسم، ثم قال: " هل تدرون مم ضحكت؟ " قال: قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: " إن العبد إذا توضأ فأتم وضوءه، ثم دخل في صلاته فأتم صلاته، خرج من صلاته كما خرج من بطن أمه من الذنوب " (3)
الإخلاصُ في الأعمالِ شَرْطٌ لقَبولِها، وإتمامُ الأعمالِ به مع إتيانِها على الوَجهِ الذي أمَرَ اللهُ ورَسولُه فيه أجْرٌ عَظيمٌ وثَوابٌ كَبيرٌ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ حُمرانُ بنُ أبانَ -مَولى عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه-: "كُنَّا عِندَ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، فدَعا بماءٍ فتَوضَّأ" وُضوءَه لِلصَّلاةِ "فلَمَّا فَرَغَ مِن وُضوئِه" وأنهاه تَمامًا "تَبسَّمَ"، ظَهَرتْ عليه عَلاماتُ الفَرَحِ، فتَبسَّمَ، "فقال: هل تَدرونَ مِمَّ ضَحِكتُ؟" وهذا السُّؤالُ مُوجَّهٌ لِلتَّابِعينَ؛ لِيُفسِّرَ لهم سَبَبَ تَبسُّمِه، "فقال: تَوضَّأ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كما تَوضَّأتُ" وُضوءًا كامِلًا، "ثم تَبسَّمَ، ثم قال: هل تَدرونَ مِمَّ ضَحِكتُ؟ قال: قُلْنا: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: إنَّ العَبدَ إذا تَوضَّأ فأتَمَّ وُضوءَه" بأنْ أعطى كُلَّ عُضوٍ حَقَّه مِنَ الماءِ، "ثم دَخَلَ في صَلاتِه فأتَمَّ صَلاتَه" بأركانِها وآدابِها وسُنَنِها وهَيئاتِها، ولم يُحدِّثْ نَفْسَه بسُوءٍ "خَرَجَ مِن صَلاتِه كما خَرَجَ مِن بَطنِ أُمِّه مِنَ الذُّنوبِ" فخَرَجَ مِن صَلاتِه مَغفورًا له ذُنوبُه، وكأنَّه وَليدٌ جَديدٌ، قد نَزَلَ مِن بَطنِ أُمِّه وليس عليه أيُّ ذُنوبٍ، وظاهِرُه غُفرانُ عُمومِ كُلِّ ذَنبٍ، ولكِنَّ أهلَ السُّنَّةِ قَيَّدوا ذلك بغُفرانِ الصَّغائِرِ دونَ الكَبائِرِ؛ لِأنَّ الكَبائِرَ تَحتاجُ إلى تَوبةٍ نَصوحٍ، وعَدَمِ العَودةِ، وغَيرِ ذلك مِنَ الشُّروطِ، وقيل: هَذا في حَقِّ مَن له صَغائِرُ وكَبائِرُ أو صَغائِرُ فقط، فأمَّا مَن ليس له إلَّا كَبائِرُ، فإنَّه يُخفَّفُ عنه بمِقدارِ ما لِصاحِبِ الصَّغائِرِ، ومَن ليس له صَغائِرُ ولا كَبائِرُ يُزادُ في حَسَناتِه بنَظيرِ ذلك. وهذا بَيانٌ لِفَضلِ إتمامِ الوُضوءِ، وفَضلِ الصَّلاةِ التَّامَّةِ، وحَثٌّ على إحسانِ أدائِهما.
وفي الحَديثِ: بَيانٌ لِحُسنِ اتِّباعِ الصَّحابةِ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولِتَعليمِ مَن بَعدَهم بالقَولِ والعَمَلِ.