مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه 23
حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت عبد الله بن شقيق، يقول:
كان عثمان ينهى عن المتعة، وعلي يلبي (1) بها، فقال له عثمان قولا، فقال له علي: لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك؟ قال عثمان: أجل، ولكنا كنا خائفين (2) .
قال شعبة: فقلت لقتادة: ما كان خوفهم؟ قال: لا أدري
قَوْلُهُ: "وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ" : هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَعَلَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: خَائِفِينَ يَوْمَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ قَبْلَ فَتْحِ
مَكَّةَ، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ تِلْكَ السَّنَةَ حَقِيقَةُ تَمَتُّعٍ، إِنَّمَا كَانَ عُمْرَةً وَحْدَهَا، انْتَهَى. قُلْتُ: وَلَوْ سُلِّمَ وُجُودُ التَّمَتُّعِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، لَمَا تَمَّ - أَيْضًا - ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَتَّعَ سَنَةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِلَا خَوْفٍ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ إِشَارَةً إِلَى مَا جَاءَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ تِلْكَ السَّنَةَ; خَوْفًا مِنْ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ; كَمَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ خَائِفٌ مِنْ خِلَافِ عُمَرَ أَنْ يُنْسَبَ عُمَرُ أَوْ عُثْمَانُ إِلَى أَنَّهُ خَالَفَ الصَّوَابَ، أَوْ يُطْعَنَ فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ يُنْسَبَ الصَّحَابَةُ إِلَى الِاخْتِلَافِ، فَيُتْرُكُ قَوْلُهُمْ، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ خَافَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ، فَأَحَبَّ لِذَلِكَ الْوِفَاقَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي "فَتْحِ الْبَارِي": قُلْتُ: هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ; فَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَهُمَا أَعْلَمُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، فَلَمْ يَقُولَا ذَلِكَ، وَالتَّمَتُّعُ إِنَّمَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ": "كُنَّا آمَنَ مَا يَكُونُ النَّاسُ"، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُهُ: خَائِفِينَ; أَيْ: مِنْ أَنْ يَكُونَ أَجْرُ مَنْ أَفْرَدَ أَعْظَمَ مِنْ أَجْرِ مَنْ تَمَتَّعَ،
كَذَا قَالَ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، انْتَهَى.