‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 194

‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 194

حدثنا هشيم، أخبرنا يونس، عن الحسن، عن علي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المصاب حتى يكشف عنه " (3)

 قَوْلُهُ "عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ: هُوَ حَسَنُ بْنُ يَسَارٍ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَلَيٍّ: لَا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعًا مِنْ عَلِيٍّ; أَيْ: فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 وَرَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنِ ابْنِ ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ، مَوْقُوفًا، وَلَمْ يَرْفَعْهُ.

 قَوْلُهُ: "رُفِعَ الْقَلَمُ" : كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ كِتَابَةِ الْآثَامِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ بَعْضِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ; كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالْأُخْرَوِيَّةِ; كَالثَّوَابِ عَلَى الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: رَفْعُ الْقَلَمِ يَقْتَضِي سَبْقَ وَضْعٍ، وَلَا وَضْعَ عَلَى الصَّبِيِّ أَصْلًا.

وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ بِالتَّغْلِيبِ; بِأَنْ غُلِّبَ غَيْرُ الصَّبِيِّ مِنَ النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ عَلَيْهِ، فَاسْتُعْمِلَ الرَّفْعُ فِي الْكُلِّ. وَيُجَابُ أَيْضًا; بِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى حَالِهِ، يَقْبَلُ التَّكْلِيفَ بِالْآخِرَةِ، فَنَزَلَ اسْتِعْدَادُهُ لِلتَّكْلِيفِ بِمَنْزِلَةِ التَّكْلِيفِ بِالْفِعْلِ، فَكَأَنَّهُ وُضِعَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ بِالْفِعْلِ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ.

ثُمَّ الْمُرَادُ بِرَفْعِ الْقَلَمِ: هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ فِي الْأَزَلِ بِأَنْ يُرْفَعَ الْقَلَمُ عَنْ كُلٍّ فِي وَقْتِهِ إِلَى الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ يُرْفَعَ.

 "عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ. . . إِلَخْ" : فَالْحُكْمُ أَزَلِيٌّ، فَلِذَا ذُكِرَ بِصِيغَةِ: الْمُضِيِّ.

وَأَمَّا الرَّفْعُ، فَيَكُونُ لِكُلٍّ فِي وَقْتِهِ، فَلِذَلِكَ صَحَّ جَعْلُ "حَتَّى يَسْتَيْقِظَ" غَايَةً لَهُ فَقَطْ مَا قِيلَ إِنَّ الرَّفْعَ مَاضٍ، فَيَكُونُ يَسْتَيْقِظُ جَعْلَ الْمُسْتَقْبَلِ غَايَةً لَهُ.

 "وَعَنِ الْمُصَابِ" : أَيِ: الْمَجْنُونِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ.

 "يُكْشَفُ" : عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ; أَيْ: يُزَالُ.

ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ الثَّلَاثَةَ قَدْ تَجْتَمِعُ، وَقَدْ يَعْقُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا; بِأَنِ

 اسْتَيْقَظَ النَّائِمُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَا انْتَهَى رَفْعُ الْقَلَمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِلَى هَذِهِ الْغَايَاتِ، لَكِنَّهُ تَوَهُّمٌ بَاطِلٌ; لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الرَّفْعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَنْتَهِي إِلَى غَايَتِهِ، فَالرَّفْعُ لِأَجْلِ النَّوْمِ يَنْتَهِي إِلَى الِاسْتِيقَاظِ، فَلَا يُنَافِيهِ ثُبُوتُ الرَّفْعِ لِأَجْلِ الْجُنُونِ بَعْدَهُ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.