مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 292
حدثنا عبد الله، حدثني إبراهيم بن الحجاج الناجي، حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عمرو الفزاري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: " اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ومعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك "
قَوْلُهُ: "بِرِضَاكَ" : أَيْ: مُتَوَسِّلًا بِرِضَاكَ مِنْ أَنْ تَغْضَبَ عَلَيَّ.
"بِكَ مِنْكَ" : أَيْ: أَنْتَ الَّذِي تُخَافُ لِعَظَمَتِكَ، وَتُرْجَى لِإِحْسَانِكَ، فَهَذَا كَالْإِجْمَالِ بَعْدَ شَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيلِ، وَإِلَّا فَالتَّعَوُّذُ مِنَ الذَّاتِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الصِّفَاتِ غَيْرُ ظَاهِرٍ.
"لَا أُحْصِي ثَنَاءً" : أَيْ: لَا أَسْتَطِيعُ فَرْدًا مِنْ ثَنَائِكَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نَعْمَائِكَ، وَالْعُمُومُ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّنْكِيرِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِكَمَالِ عَجْزِ الْبَشَرِ.
"أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ" : أَيْ: أَنْتَ الَّذِي أَثْنَيْتَ عَلَى ذَاتِكَ ثَنَاءً يَلِيقُ بِكَ، فَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ حَقِّ ثَنَائِكَ; فَالْكَافُ زَائِدَةٌ، وَالْخِطَابُ فِي عَائِدِ الْمَوْصُولِ بِمُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى.
وَيُحْتَمَلُ: أَنَّ "الْكَافَ "بِمَعْنَى "عَلَى"، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ; أَيْ: أَنْتَ ثَابِتٌ عَلَى أَوْصَافٍ أَثْنَيْتَ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ، وَالْجُمْلَةُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ.
وَفِيهِ إِطْلَاقُ النَّفْسِ عَلَيْهِ تَعَالَى بِلَا مُشَاكَلَةٍ. وَقِيلَ: "أَنْتَ" تَأْكِيدٌ لِلْمَجْرُورِ فِي "عَلَيْكَ"، فَهُوَ مِنَ اسْتِعَارَةِ الْمَرْفُوعِ الْمُنْفَصِلِ مَوْضِعَ الْمَجْرُورِ الْمُتَّصِلِ; إِذْ لَا مُنْفَصِلَ فِي الْمَجْرُورِ، وَ"مَا" مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْكَافُ بِمَعْنَى: مِثْلُ صِفَةُ ثَنَاءٍ.