مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 37
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: خطبنا علي، فقال: من زعم أن عندنا شيئا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة - صحيفة فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات - فقد كذب، قال: وفيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلا ولا صرفا، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم " (1)
قَوْلُهُ: "شَيْئًا" أَيْ: مَكْتُوبًا.
"أَسْنَانُ الْإِبِلِ" أَيِ: الْمَأْخُوذَةُ فِي الدِّيَاتِ أَوِ الزَّكَاةِ.
"مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ" ذَكَرَ الْمُتَقَدِّمُونَ أَنَّ ثَوْرًا غَيْرُ مَعْلُومٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ: هَذَا غَلَطٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِحَرَمِ الْمَدِينَةِ، لَكِنِ الْمُتَأَخِّرُونَ; كَالطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ قَالُوا: هُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ يَدُورُ خَلْفَ أُحُدٍ، وَقَالُوا: إِنَّهُمْ حَقَّقُوا ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرَاضِي، وَإِنَّمَا خَفِيَ عَنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ; لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ، وَعَدَمِ بَحْثِهِمْ عَنْهُ.
"فَمَنْ أَحْدَثَ. . . إِلَخْ" : رَتَّبَ عَلَى كَوْنِهَا حَرَمًا تَغْلِيظَ مَا لَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ فِيهَا، مَعْنَاهُ: مَنْ أَتَى فِيهَا بِإِثْمٍ.
"أَوْ آوَى" : مَنْ أَتَاهُ وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَحَمَاهُ، وَآوَى جَاءَ - بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ - ، وَالْمَدُّ فِي الْمُتَعَدِّي، وَالْقَصْرُ فِي اللَّازِمِ أَفْصَحُ.
"وَمُحْدِثًا" : - بِالْكَسْرِ - قِيلَ: الْحَدَثُ: الْأَمْرُ الْحَادِثُ الْمُنْكَرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلَا مَعْرُوفٍ فِي السُّنَّةِ، وَالْمُحْدِثُ - بِالْكَسْرِ - ; أَيْ: مَنْ نَصَرَ جَانِيًا وَآوَاهُ، وَأَجَارَهُ مِنْ خَصْمِهِ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ، أَوْ - بِالْفَتْحِ - ، وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُبْتَدَعُ نَفْسُهُ، وَمَعْنَى الْإِيوَاءِ: الرِّضَا بِهِ، وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذَا رَضِيَ بِهِ، وَأَقَرَّ فَاعِلَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، فَقَدْ آوَاهُ.
"عَدْلًا وَلَا صَرْفًا" : الْعَدْلُ: الْفِدْيَةُ أَوِ الْفَرِيضَةُ، وَالصَّرْفُ: التَّوْبَةُ أَوِ النَّافِلَةُ.
"وَمَنِ ادَّعَى" : أَيْ: نَسَبَ نَفْسَهُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ.
"وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ" : هِيَ عَقْدُهُمْ عَقْدَ الْأَمَانِ لِحَرْبِيٍّ.
"يَسْعَى. . . إِلَخْ" : أَيْ: يَجُوزُ لِأَدْنَاهُمْ عَدَدًا، وَهُوَ الْوَاحِدُ، أَوْ أَحْقَرِهِمْ رُتْبَةً، وَهُوَ الْعَبْدُ، أَنْ يَسْعَى بِالذِّمَّةِ، فَيَعْقِدُ لِحَرْبِيٍّ عَقْدَ أَمَانٍ.