‌‌مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 100

‌‌مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 100

حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن سلمان بن ربيعة
عن عمر، قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة، فقلت: يا رسول الله، لغير هؤلاء أحق منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنهم خيروني بين أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني فلست بباخل " (2)

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أكرَمَ النَّاسِ وأجوَدَهم، وكان يُعْطي عَطاءَ مَن لا يَخشى الفاقةَ، وكان ذلك تَعليمًا لأُمَّتِه، وتَنفيذًا لحِكَمٍ شَرعيَّةٍ قدْ لا يَعلَمُها ولا يَعِيها في وقْتِها غيرُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قَسَم مالًا بيْنَ الناسِ، فأعطَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قومًا، وكان عُمَرُ رَضِي اللهُ عنه يرَى أنَّ غيْرَهم أحقُّ بالعَطاءِ منهم؛ فبيَّنَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سَبَبَ إعطائِه هؤلاء وتَرْكِه مَن هُم أَوْلَى بالعَطاءِ منهم؛ وهو أنَّ مَن أَعطَاهُم أهلُ جَهْلٍ وكَذِبٍ، وأخبَرَ عنهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّهم أَلَحُّوا في المسألةِ لضَعْفِ إيمانِهم، وأَلْجَؤُوه بِمُقتَضَى حالِهم مِنَ الفُحشِ: إمَّا أنْ يُعطِيَهم ما سَألوه، أو يَنْسُبوه إلى البُخلِ تَشهيرًا به، وهو في الحقيقةِ ليس ببَخيلٍ،

فلذلك أعْطاهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ووَقَى عِرْضَه بعَطائِه خوْفًا مِن أنْ يُكذَبَ عليه؛ ولَيْسَ البُخلُ مِن طِباعِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وفي إعطائِه مُداراةٌ لهم وتألُّفٌ،

كما قال في الصَّحيحينِ: «إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلةً عندَ اللهِ مَن تَرَكَه -أوْ وَدَعَه النَّاسُ- اتِّقاءَ فُحْشِه»، فيكونُ بذلك قدْ صبَرَ على جَفوتِهم، وحَلُمَ عنهم كيْ يَتألَّفَهم، وسَلِمَ مِن نِسبةِ البُخلِ إليه؛

إذ لا يَليقُ به صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.


وفي الحديثِ: مُداراةُ أهلِ الجَهالَةِ والقَسْوَةِ وتألُّفُهم إذا كان في ذلك مَصْلَحَةٌ.
وفيه: أنَّ مِن خُلُقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الصَّبرَ والحِلمَ.
وفيه: تَوضِيحٌ وإرشادٌ للإنسانِ أنْ يَبذُلَ مِن مالِه لِيَقِيَ عِرْضَه ونفْسَه مِن أهلِ الجَهالَةِ.