مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 129
حدثنا يزيد، أخبرنا يحيى بن سعيد، أن محمد بن إبراهيم أخبره، أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي، يقول
إنه سمع عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس، وهو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إنما العمل بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله، فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه " (4)
هذا الحديثُ العَظيمُ قاعدةٌ مِن قواعدِ الإسلامِ، وأصلٌ مِن أُصولِ الشَّريعةِ، حتَّى قِيلَ فيه: إنَّه ثُلثُ العِلمِ، حيثُ قال فيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «الأعمالُ بِالنِّيَّةِ، فلا تصِحُّ جَميعُ العِباداتِ الشَّرعيَّةِ إلَّا بوُجودِ النِّيَّةِ فيها ولِكلِّ امرِئٍ ما نَوى»، فإنَّما يَعودُ على المسلمِ مِن عَملِه ما قصَدَه منه، وهذا الحُكمُ عامٌّ في جَميعِ الأعمالِ مِنَ العباداتِ والمعاملاتِ والأعمالِ العاديَّةِ، فمَنْ قصَدَ بعَملِه مَنفعةً دُنيويَّةً لم يَنلْ إلَّا تلكَ المَنفعةَ ولو كان عِبادةً، فَلا ثَوابَ له عليها، ومَن قصَدَ بعَملِه التَّقرُّبَ إلى اللهِ تعالَى وابتغاءَ مَرضاتِه، نالَ مِن عَملِه المَثوبةَ والأجرَ ولو كان عمَلًا عاديًّا، كالأكلِ والشُّربِ، ثُمَّ ضرَبَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأمثلةَ العمليَّةَ لِبيانِ تَأثيرِ النِّيَّاتِ في الأعمالِ فبيَّنَ أنَّ مَن قصَدَ بِهجرتِه امتثالَ أمْرِ ربِّهِ، وابتغاءَ مَرضاتِه، والفرارَ بِدِينِه مِنَ الفتنِ؛ فهِجرتُه هِجرةٌ شرعيَّةٌ مَقبولةٌ عندَ اللهِ تعالَى ويُثابُ عليها لصِدقِ نيِّتِه، وأنَّ مَن قصَدَ بِهِجرتِه مَنفعةً دُنيويَّةً وغرَضًا شخصيًّا، مِن مالٍ، أو تجارةٍ، أو زَوجةٍ حَسناءَ؛ «فهِجرتُه إلى ما هاجَرَ إليه»، فلا يَنالُ مِن هِجرتِه إلَّا تلك المنفعةَ الَّتي نَواها، ولا نَصيبَ له مِنَ الأجرِ والثَّوابِ.