مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 145
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس
عن عمر، أنه قال: إن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل معه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده
ثم قال: قد كنا نقرأ: ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم - أو: إن كفرا بكم - أن ترغبوا عن آبائكم.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تطروني كما أطري ابن مريم، وإنما أنا عبد، فقولوا: عبده (1) ورسوله " (2)
قال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: إنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فيما نَقْرَأُ مِن كِتابِ اللهِ عزَّ وجَلَّ ممَّا نُسِخَت تلاوتُه وبَقِيَ حُكمُه: (ألَّا تَرغَبوا عن آبائِكم) فَتَنتَسِبوا إلى غَيْرِهم (فإنَّه كُفرٌ بِكُم أنْ تَرغَبوا عن آبائِكم) إنِ استَحلَلتُموه، (أو إنَّ كُفْرًا بِكمْ أنْ تَرغَبوا عن آبائِكم)، وليس المرادُ الكفرَ الَّذي يُخلَّدُ صاحبُه في النَّارِ، وإنَّما المرادُ الكُفرُ بِالنِّعمةِ؛ إذ أنكرَ حقَّ أبيه عليه، وفعَل ما يُشبِهُ أفْعالَ أهلِ الكُفرِ، وإنِ استحَلَّ ذلك خرَج عنِ الإسْلامِ، أو المرادُ التغليظُ والتَّشنيعُ عليه لزَجرِ فاعلِه؛ إعظامًا لذلك، وقد يُعْفى عنه، أو يَتوبُ فيَسقُطُ عنه العِقابُ.
وقدْ كانت العربُ قبْلَ الإسلامِ لا يَستنكِرونَ أنْ يَتبنَّى الرَّجلُ منهم غيرَ ابنِه، ويَنسُبَه إليه، ولم يَزَلْ ذلك أيضًا في أوَّلِ الإسلامِ حتَّى أنْزَلَ اللهُ: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4]، وأنْزَلَ: {ادْعُوهُم لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5]، فأمَرَ بِنسبةِ الابنِ إلى أبيهِ، ونَهى عَن نِسبتِه إلى غيرِه.
ثم أخبر عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: «لا تُطْرُوني» أي: لا تُبالِغوا في مَدْحي بالباطِلِ، كَما أَطْرَتِ النَّصارى عيسى بنَ مَرْيَمَ عليهما السَّلامُ، فجَعَلوه إلهًا مع اللهِ أو ابنًا للهِ، ولكِنْ قُولوا: محمدٌ عَبْدُ اللهِ ورَسولُه.