مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 161
حدثنا حسن بن موسى الأشيب، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا الوليد بن أبي الوليد، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة العدوي
عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أظل رأس غاز أظله الله يوم القيامة، ومن جهز غازيا حتى يستقل بجهازه، كان له مثل أجره، ومن بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله، بنى الله له بيتا في الجنة " (1)
عَمَلُ الخَيرِ والتَّطوُّعُ به -لإعلاءِ كَلِمةِ اللهِ، وحِمايةِ العَقيدةِ، وإقامةِ العِباداتِ- مِنَ القُرُباتِ الجَليلةِ التي يَنبَغي لِلمُسلِمِ أنْ يَحرِصَ عليها.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن أظَلَّ رَأْسَ غازٍ، أظَلَّه اللهُ يَومَ القيامةِ"، وذلك بأنْ يَضَعَ على رَأْسِه أو يعطيَه ما يَحميه مِن حَرارةِ الشَّمسِ،
"ومَن جَهَّزَ غازيًا حتى يَستَقِلَّ بجَهازِه" فهَيَّأه وأعانَه براحِلَتِه ومَتاعِه وسِلاحِه، وبما يَحتاجُه مِن عَتادٍ ومُؤَنٍ، حتى يَكونَ كامِلَ العُدَّةِ لا يَحتاجُ إلى شَيءٍ مِن غَيرِه،
"كانَ له مِثلُ أجْرِه"أي: كانَ له مِثلُ أجْرِ الغَزوِ، وكذلك مَن قامَ مَقامَه في إصلاحِ حالِ أهلِه، وعِنايتِه بهم، فمَن تَولَّى أمْرَ الغازي ونابَ مَنابَه في مُراعاةِ أهلِه زَمانَ غَيبَتِه، كانَ له أجْرٌ مِثلُ أجْرِ المُجاهِدِ المُحتَسِبِ في سَبيلِ اللهِ، كما في الحَديثِ المُتَّفَقِ عليه.
ثم قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "ومَن بَنى مَسجِدًا" مِن مالِه الخاصِّ؛ طَلَبًا لِمَرضاتِه تَعالى، لا رِياءً ولا سُمعةً "يُذكَرُ فيه اسْمُ اللهِ" بإقامةِ الصَّلاةِ والعِباداتِ فيه وتَعلُّمِ القُرآنِ والعِلمِ وتعليمِه، "بَنى اللهُ له بَيتًا في الجَنَّةِ" يَتنَعَّمُ فيه في الجَنَّةِ، وليس المُرادُ أنَّه على قَدْرِ المَسجِدِ الذي بَناه، ولا على صِفَتِه في بُنيانِه، ولكِنَّ المُرادَ له مُسَمَّى البَيتِ؛ فدَلَّ الحَديثُ على سَعةِ فَضلِ اللهِ وكَرَمِه على عِبادِه،
وأنَّه يأجُرُهم على أفعالِهمُ الخالِصةِ جَزاءً عَظيمًا، ودَلَّ أيضًا على أنَّ الإنسانَ يَنبَغي عليه ألَّا يَدَّخِرَ الوُسعَ في فِعلِ الخَيرِ بأيِّ شَكلٍ.
وفي الحَديثِ: أنَّ مَن جَهَّزَ غازيًا فهو كمَن غَزا في الأجْرِ.
وفيه: فَضلُ بِناءِ المَساجِدِ. وفيه: تَعدُّدُ صُورِ الخَيرِ والتَّطوُّعِ لِلتَّقرُّبِ إلى اللهِ.