مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 38
حدثنا حجاج، حدثنا ليث، حدثني بكير، عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري، عن جابر بن عبد الله
عن عمر بن الخطاب، قال: هششت يوما فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت (1) وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ " قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ففيم؟ " (2)
للصِّيامِ أحكامٌ كثيرةٌ يَنبغِي للمُسلمِ أنْ يَعلَمَها ويَعمَلَ بها، وهذا الحديثُ فيه بيانٌ لبعض أحكامِه:
قال عُمَرُ بن الخَطَّابِ: "هَشَشْتُ"، أي: فَرِحْتُ وارْتَحْتُ ونَشِطْتُ،
"فَقَبَّلْتُ" امرأَتِي، "وأنا صائِمٌ"، أي: حالَ كَوْنِي صائِم،
"فقلتُ" سائِلًا: يا رسولَ الله "صَنعتُ اليومَ أَمْرًا عَظيمًا" اسْتَعْظَمَ الأَمْرَ؛ لأَنَّه لا يَعرِف الحُكْمَ،
وهذا الأَمْرُ هو أنِّي "قَبَّلْتُ وأنا صائِمٌ"، أي: قَبَّلْتُ زَوْجتي حالَ كَوْني صائِمًا،
"قال" رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أَرَأَيْتَ"، أي: أَخبِرْني،
"لو مَضْمَضْتَ من الماء"، أي: ما حُكْمُ ذلك وأنت صائِمٌ؟
"قلتُ"، أي: قال عُمَرُ: "لا بَأْسَ به"، أي: لا بَأْسَ بالمَضْمَضَةِ حالَ الصَّوْمِ،
"قال" رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"فَمَهْ؟!"، أي: ماذا للاستفهام،
أي: اكْفُفْ عن السُّؤال؛ فإنَّ القُبْلَةَ لا تَضُرُّ الصَّوْمَ كما لا تَضُرُّهُ المَضْمَضَةُ؛
فإنَّ المَضْمَضَةَ لا تَنْقُضُ الصَّوْمَ،
وهي أَوَّلُ الشُّرب ومِفْتاحُه، كما أنَّ القُبْلَةَ من دَواعي الجِماعِ ومِفْتاحُه،
والشَّرابُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ كما يُفْسِدُهُ الجِماعُ.
وفي الحديث: مَشْروعِيَّةُ القِياسِ في الأحكامِ بالجَمْعِ بين الشَّيْئَيْنِ في الحُكْمِ الواحِدِ؛
لاجْتِماعِهما في الشَّبَهِ.
وفيه: أنَّ القُبْلَةَ للصَّائِم المُتَماسِكِ لا شيءَ فيها ما لمْ تُؤَدِّ إلى فَوَرانِ الشَّهْوَةِ أو الجِماعِ.
وفيه: حِرْصُ عُمَرَ على السُّؤال عمَّا أُشْكِلَ عليه، وهذا كان حالَ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم