من آتاه الله عز وجل مالا من غير مسألة 1

سنن النسائي

من آتاه الله عز وجل مالا من غير مسألة 1

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن بكير، عن بسر بن سعيد، عن ابن الساعدي المالكي، قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها فأديتها إليه، أمر لي بعمالة، فقلت له: إنما عملت لله عز وجل، وأجري على الله عز وجل، فقال: خذ ما أعطيتك، فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل، فكل، وتصدق»

نظَّم الإسلامُ العَلاقةَ بين الرَّعِيَّةِ ووُلاةِ الأمورِ، وأعطى كُلَّ طَرَفٍ حَقَّه، فنظَّم الحُقوقَ الماليَّةَ لِمن تولَّى من أمورِ النَّاسِ شيئًا؛ حتى يقومَ بمهامِّه على أكمَلِ وَجهٍ، ولا يكونَ محتاجًا ولا يأخُذَ ممَّا تحت يَدِه ما لا يحِلُّ له
وفي هذا الحَديثِ يروي عبدُ اللهِ بنُ السَّعْديِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قَدِم على الخليفةِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه، وقدْ كان ابنُ السَّعدِيِّ تَولَّى لِلنَّاسِ أعمالًا عامَّةً، كالقضاءِ والوِلايةِ وغيرِها، وكان لا يَأخذُ على ذلك أجْرًا، فسأله عُمرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه: ما قَصْدُك مِن عدَمِ أخْذِك الأجرَ على ما تَقومُ به مِن أعمالٍ لِلنَّاسِ تَستحِقُّ عليها الأجرَ؟ فأخبره ابنُ السَّعديِّ: أنَّه له مِنَ المالِ ما يَكفيهِ مِنَ الأفراسِ، وهو جمْعُ فرَسٍ، والأعبُدُ، وهو جمْع عَبْدٍ، فلمَّا كان له مِنَ المالِ ما يَكفيهِ أرادَ أنْ يَكونُ ما يقومُ به من أعمالٍ صَدَقةً على المسلمينَ، فنهاه عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه عن ذلك، وحدَّثه أنَّه فعل ذلك في عَهدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعطيه شيئًا من مالِ الزكاةِ على أنَّه عمولةٌ على عَمَلِه فيها، لا على أنَّه صدقةٌ؛ لأنَّه ليس بفقيرٍ، فيقولُ عمرُ رَضِيَ اللهُ عنه: أعْطِه أفْقَرَ إليه مِنِّي، وعندما كَرَّر رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عطاءَه، وكَرَّر عُمَرُ عدَمَ أخْذِه، قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «خُذْهُ، فتَمولَّهْ، وتَصدَّقْ به»، يعني: تَملَّكْ هذا المالَ الَّذي هو حقُّك، ثُمَّ تَصدَّقْ به على مَن شِئتَ إنْ أردتَ ذلك؛ لأنَّه إذا ملَكَ المالَ وتَصدَّقَ به طيِّبةً به نفْسُه، كان أفضلَ مِنَ التَّصدُّقِ به قَبْلَ قبْضِه؛ لأنَّ الَّذي يَحصُلُ بيَدِه هو أحْرَصُ عليه مِمَّا لم يَدخُلْ في يَدِه، وأرشده إلى أنَّه إذا جاءَه المالُ وهو غيرُ طامعٍ ولا حريصٍ عليه، ولا ساعٍ في سبيلِه، فعليه أن يأخُذَه ولا يردَّهُ، وإنْ لم يَجِئْ إليه فلا يَطلُبْه بَل يتركُه
وفي الحَديثِ: فَضلُ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه وزُهدُه وإيثارُه، وكذا ابنُ السَّعديِّ رضِيَ اللهُ عنه؛ فقدْ طابَقَ فِعلُه فِعْلَ عُمرَ
وفيه: ذمُّ التَّطلُّعِ إلى ما في أَيدي الأَغنياءِ والتَّشوُّفِ إلى فُضولِه وأخْذِه منهم، وأنَّها حالةٌ مَذمومةٌ تدُلُّ على شِدَّةِ الرَّغبةِ في الدُّنيا والرُّكونِ إلى التَّوسُّعِ فيها
وفيه: مَشروعيَّةُ أخذِ العَطِيَّةِ بدونِ سُؤالٍ ولا إشرافِ نَفسٍ