من خان غازيا في أهله 6

سنن النسائي

من خان غازيا في أهله 6

أخبرنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا إسحق بن منصور، قال: حدثنا داود يعني الطائي، عن عبد الملك بن عمير، عن جبر، أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميت، فبكى النساء فقال جبر: أتبكين ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، قال: «دعهن يبكين ما دام بينهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية»

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحسنَ الناسِ عِشرةً لأصحابِه؛ فكان يُواسيهم، ويَزورُ مَن يَحتضِرُ منهم، فيَنصَحُ أهلَه، ويَنهاهم عمَّا لا يَنبَغي لهم فِعلُه؛ شَفقةً عليهم
وهذا الحديثُ يَحكي موقِفًا مِن مواقفِه صلَّى الله عليه وسلَّم مع أصحابِه، حيثُ يُخبرُ جبْرُ بنُ عَتيكٍ رَضِي اللهُ عنه: "أنَّه دخَل مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على ميِّتٍ"، أي: كان مُصاحِبًا للنَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في الدُّخولِ على رجُلٍ لم يَمُتْ بعدُ، لكنَّه قارَب الموتَ، فبَكى النِّساءُ وأخْذَنَ يَبْكين على الميِّتِ، فقال جَبرٌ: "أتَبْكين ما دام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جالِسًا"، أي: استَنكَر جَبرٌ بُكاءَهنَّ في حَضرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "دَعْهنَّ يَبْكين ما دام بينَهنَّ"، أي: اترُكْهن، ولا تَمنَعْهن البُكاءَ ما دام حيًّا؛ لأنَّ البكاءَ حينَئذٍ ليس على مُصيبةٍ؛ لأنَّ المصيبةَ لم تقَعْ بعدُ، ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فإذا وجَبَ"، أي: إذا مات، "فلا تَبكِيَنَّ باكيةٌ"، أي: فامْتنِعْن عن البُكاءِ، والمقصودُ بالبكاءِ هنا الصِّياحُ والنِّياحةُ؛ لأنَّه قد يتَرتَّبُ على بُكائِهنَّ صياحٌ، ورَفعُ صوتٍ بالمصيبةِ، أمَّا البكاءُ الَّذي هو دمْعُ العينِ، وحُزنُ القَلبِ فهذا لا شَيءَ فيه، وإنَّما هو رَحمةٌ مِن اللهِ، وهو خارجٌ عن إرادةِ الإنسانِ
وفي الحديثِ: الحثُّ على عِيادةِ المريضِ