ومن حديث جرير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم 18
مستند احمد
حدثنا أبو قطن، حدثني يونس، عن المغيرة بن شبل قال: وقال جرير: لما دنوت من المدينة أنخت راحلتي، ثم حللت عيبتي، ثم لبست حلتي، ثم دخلت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليسي: يا عبد الله، ذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ذكرك آنفا بأحسن ذكر، فبينا هو يخطب إذ عرض له في خطبته وقال: «يدخل عليكم من هذا الباب، أو من هذا الفج، من خير ذي يمن، إلا أن على وجهه مسحة ملك» قال جرير: «فحمدت الله عز وجل على ما أبلاني» ، وقال أبو قطن: فقلت له: سمعته منه أو سمعته من المغيرة بن شبل قال: «نعم» ،
جيلُ الصَّحابةِ خَيرُ القُرونِ، وهم أيضًا خَيرُ هذه الأمَّةِ، أثنى اللهُ تعالى عليهم، ومَدَحَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَيَّنَ فضلَهم في أحاديثَ كَثيرةٍ؛
وذلك لِما قاموا به من نُصرةِ هذا الدِّينِ وتَعَلُّمِ العِلمِ وتَبليغِه إلى مَن بَعدَهم، ونَشرِهمُ الإسلامَ، وإنَّ مَن أفاضِلِ أولئِكَ الصَّحابةِ الصَّحابيَّ الجَليلَ جَريرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ البَجَليَّ رَضيَ اللهُ عنه، أسلَم في عامِ الوُفودِ، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَبتَسِمُ في وَجهِه ويُكرِمُه؛ يَقولُ جَريرٌ: ما حَجَبَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُنذُ أسلَمتُ، ولا رَآني إلَّا تَبَسَّمَ. وأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه مِن خَيرِ أهلِ اليَمَنِ، يَقولُ جَريرٌ رَضيَ اللهُ عنه: لمَّا دَنَوتُ، أي: قَرُبتُ مِن مَدينةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَختُ راحِلَتي، أي: أبْرَكَ جَمَلَه على الأرضِ وأقعَدَه، وحَلَلْتُ عَيبَتي، أي: مُستَودَعَ ثيابي الذي أضَعُ فيه الثِّيابَ، فلَبِستُ حُلَّتي. والحُلَّةُ هو الثَّوبُ الذي يَشتَمِلُ على رِداءٍ وإزارٍ، فدَخَلتُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في المَسجِدِ يَخطُبُ في النَّاسِ، فسَلَّمَ عليَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرَماني النَّاسُ بالحَدَقِ. وحَدَقةُ العَينِ: سَوادُها، والمَعنى: أنَّهم نَظَروا إليه بعُيونِهم كما يَنظُرونَ إلى عَظيمٍ إذا جاءَ في مَجلسٍ، فقال جَريرٌ لجَليسٍ بجِوارِه، أي: سَألَ رَفيقَه0 لأنَّه عَلِمَ أنَّ نَظَرَهم بذلك الوَجهِ ليس إلَّا لأمرٍ عَظيمٍ: يا عَبدَ اللهِ، هَل ذَكَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أمري شَيئًا؟ فقال: نَعَم، ذَكَرَك بأحسَنِ الذِّكرِ0 وذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَما هو يَخطُبُ إذ عَرَضَ له ذِكرُك في الخُطبةِ، فقال: إنَّه سيَدخُلُ عليكُم مِن هذا البابِ، أي: بابِ المَسجِدِ، أو مِن هذا الفَجِّ، أي: الطَّريقِ الواسِعِ، مِن خَيرِ ذي يَمَنٍ، أي: خَيرِ أهلِ اليَمَنِ؛ فإنَّ بَجيلةَ مِن ناحيةِ اليَمَنِ، أوِ المَعنى: ذي يُمْنٍ، بضَمِّ الياءِ، بمَعنى: التَّيَمُّنِ والبَرَكةِ، وإنَّ على وَجهِه مَسحةَ مَلَكٍ، أي: مَسحةَ جَمالٍ، أي: أثَرًا ظاهرًا، ولا يُقالُ ذلك إلَّا في المَدحِ، كَأنَّ ملَكًا مَسَحَ عليه! وكان جَريرٌ مِن أجمَلِ النَّاسِ وَجهًا، قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: هو يوسُفُ هذه الأُمَّةِ! قال جَريرٌ: فحَمِدتُ اللَّهَ على ما أبلاني، أي: أعطاني، مِن هذا الثَّناءِ الجَميلِ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفي الحَديثِ فَضلُ جَريرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رَضيَ اللهُ عنه
وفيه بَيانُ ما كان عليه جَريرٌ رَضيَ اللهُ عنه مِنَ الجَمالِ
وفيه مَشروعيَّةُ مَدحِ الشَّخصِ في غيابِه
وفيه مَشروعيَّةُ حَمدِ اللهِ تعالى لمَن حَصَلَ له نِعمةٌ