الاستعاذة من القلة
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، قال: حدثنا عثمان يعني الشحام، قال: حدثنا مسلم يعني ابن أبي بكرة، أنه كان سمع والده، يقول في دبر الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر»، فجعلت أدعو بهن، فقال: يا بني، أنى علمت هؤلاء الكلمات؟ قلت: يا أبت سمعتك تدعو بهن في دبر الصلاة، فأخذتهن عنك، قال: فالزمهن يا بني، «فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن في دبر الصلاة»
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم يَحرِصون كلَّ الحِرصِ على اتِّباعِ سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وهَدْيِه، وكانوا أيضًا يَحرِصونَ على تعلِيمِ ذلك لِمن بعدَهم
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ مُسلِمُ بنُ أبي بَكْرةَ: "أنَّه كان سمِعَ والِدَه يقولُ في دبُرِ الصَّلاةِ"، أي: يَدعو بدعواتٍ عَقِبَ الانتهاءِ مِن صلاتِه، وقيل: المرادُ بدبُرِ الصَّلاةِ: ما كان قبل السَّلامِ، "اللهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ"، أي: ألجَأُ وألوذُ بك لا بغيرِك، "مِن الكُفرِ"، أي: الكُفرِ بكلِّ أنواعِه، "والفَقرِ"، أي: في النَّفْسِ والمالِ، والمرادُ به: شِدَّتُه الَّتي لا يَصحَبُها خيرٌ ولا ورَعٌ، وربَّما أوقَعَت صاحِبَها في حرامٍ، وقيل: المرادُ به فَقرُ النَّفْسِ الَّذي لا يَرُدُّه مُلكُ الدُّنيا
"وعذابِ القَبرِ"، أي: وأعوذُ بكَ مِن عذابِ القَبرِ، وهو ويَشمَلُ الأسبابَ الَّتي تؤدِّي إلى العذابِ فيه؛ قال مُسلِمٌ: "فجعَلتُ أدعو بهنَّ"، أي: ظلَّ يُحافِظُ على الدُّعاءِ بتلك الكَلماتِ، فقال له أبو بَكْرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "يا بنيَّ، أنَّى عُلِّمتَ هؤلاء الكَلماتِ؟"، أي: أين سَمِعتَها وتعلَّمتَها؟ وهذا لبيانِ أهمِّيَّةِ ما يَدعو به، قال مُسلمٌ: "يا أبَتِ، سَمِعتُك تَدعو بهنَّ في دُبرِ الصَّلاةِ، فأخذتُهنَّ عنكَ"، أي: حفظتُهنَّ مِنكَ، فقال أبو بَكرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "فالْزَمْهنَّ يا بنيَّ"، أي: حافِظْ على الدُّعاءِ بهنَّ؛ "فإنَّ نبيَّ اللهِ كان يَدعو بهنَّ في دُبُرِ الصَّلاةِ"، أي: إنَّ أبا بَكرةَ رَضِي اللهُ عَنه حفِظهنَّ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بمثلِ ما حَفِظهنَّ ابنُه عنه
وفي الحديثِ: إثباتُ عذابِ القبرِ
وفيه: تعليمُ الآباءِ على أبناءَهم سُنَّةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالقوْلِ والفعْلِ