التشديد في حمل الحمير على الخيل 2
سنن النسائي
أخبرنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا حماد، عن أبي جهضم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، قال: كنت عند ابن عباس، فسأله رجل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟، قال: لا، قال: فلعله كان يقرأ في نفسه؟ قال: خمشا، هذه شر من الأولى، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد أمره الله تعالى بأمره، فبلغه، والله ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا بثلاثة: «أمرنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، ولا ننزي الحمر على الخيل»
الخَيلُ على مَرِّ العُصورِ حيوانٌ له أهمِّيَّتُه البالغةُ، وخاصَّةً في الحروبِ واستِعْمالِها في الغزوِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أُهدِيَت لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بَغلةٌ"، وهو حيوانٌ بينَ الحِمارِ والحِصانِ يُستَعانُ به في السَّفرِ والأحمالِ، "فرَكِبَها"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فقال عليٌّ" للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لو حمَلْنا الحَميرَ على الخيلِ"، أراد به إنزاءَ الحَميرِ على الخيلِ؛ لأجلِ النَّسْلِ، فجعَلْنا ذكَر الحَميرِ يأتي أُنثى الخيلِ، "فكانَت لنا مِثلُ هذه"، أي: أنتَجَت لنا البِغالَ، "قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: إنَّما يَفعَلُ ذلك الَّذين لا يَعلَمون"، أي: يَفعَلُ ذلك الَّذين لا يَعلَمون أحكامَ الشَّريعةِ، أو ما هو الأَولى والأنسَبُ بالحِكْمةِ، والَّذين لا يُدرِكون أهمِّيَّةَ الخيلِ ويُجهِدونَها في إنتاجِ البِغالِ، فتَقِلُّ أعدادُ الخيلِ، فيُؤثِّرُ ذلك على الجهادِ؛ لِما للخَيلِ مِن أثَرٍ بالغٍ فيه، أو يَكونُ المعنى: إنَّما يُنْزِي الحمارَ على الفرَسِ الَّذين لا يَعلَمون أنَّ إنزاءَ الفرَسِ على الفرَسِ خيرٌ مِن إنزاءِ الحِمارِ على الفرَسِ
وفي توجيهِ هذا الحديثِ كلامٌ للعُلماءِ؛ لأنَّ اللهَ يَقولُ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]، فذَكَر البِغالَ وامتَنَّ علينا بِها كامتِنانِه بالخيلِ والحَميرِ، وأفرَد ذِكرَها بالاسمِ الخاصِّ الموضوعِ لها، ونبَّه على ما فيها مِن المنفَعةِ والزِّينةِ، ثمَّ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رَكِب البِغالَ، وكان على بغلةٍ يومَ حُنينٍ، فهذا دليلٌ على إباحةِ اتِّخاذِ البغالِ وركوبِها، وقد ورَد أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم منَع بَني هاشمٍ فقَط عن ذلك؛ لأنَّ الخيلَ كانت قليلةً عِندَهم، فكان ذلك سَببًا خاصًّا بهم، فإنْ زادَت أعدادُ الخيلِ عِندَهم لم يُمنَعوا مِن إنتاجِ البغالِ، ويكونُ غيرُهم مِن النَّاسِ غيرَ ممنوعٍ مِن إنتاجِ البغالِ أصلًا