الاستعاذة من الكسل
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن المثنى، عن خالد، قال: حدثنا حميد، قال: سئل أنس وهو ابن مالك عن عذاب القبر، وعن الدجال، قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والجبن والبخل، وفتنة الدجال، وعذاب القبر»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَدْعو ربَّه سبحانه تَضرُّعًا وخَشيةً وشُكرًا، وكان كثيرًا ما يتعوَّذ مِن الأمورِ الَّتي تُوقِعُ الإنسانَ في الشَّرِّ والضُّرِّ في الدُّنيا أو الآخرةِ، وكلُّ أقوالِه وأدعِيَتِه وأحوالِه فيها تعليمٌ لأمَّتِه
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنه فيقولُ: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يتَعوَّذُ بهؤلاء الكلماتِ"، أي: يَدْعو اللهَ عزَّ وجلَّ بتلك الدَّعَواتِ، ويَطلُبُ مِن اللهِ الحمايةَ منها ومِن الوُقوعِ فيها، "بأن كان يقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك"، أي: ألْجَأُ وأحتَمي بك، "مِن الكسَلِ"، أي: مِن التَّثاقُلِ عن الطَّاعةِ مع القدرةِ والاستطاعةِ، "والهَرمِ"، أي: كِبَرِ السِّنِّ الَّذي يؤدِّي إلى أرذَلِ العُمرِ، فلا يَقْوَى به على عمَلْ، "والجُبنِ"، أي: الخوفِ والفزَعِ عامَّةً، وعند مُلاقاةِ العدُوِّ خاصَّةً، "والبُخلِ"، أي: الشُّحِّ وإمساكِ اليَدِ عن النَّفقةِ؛ لِمَا يقَعُ به صاحبُه في الطَّمعِ الَّذي يؤدِّي به إلى عدَمِ إنفاقِ المالِ وبَذْلِه للهِ بالزَّكاةِ والصَّدقةِ، "وسوءِ الكِبَرِ"، قيل: رُوي بفَتحِ الباءِ، وهو عِظَمُ السِّنِّ وكِبَرُه، فبِمِثلِ ما استَعاذ مِن الهَرمِ استعاذَ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لِمَا يتَرتَّبُ على ذلك الكبَرِ مِن سوءٍ مِن الخرَفِ وترْكِ النَّاسِ له وغيرِ ذلك. وقيل: بل هو بسُكونِ الباءِ، وعليه فيكونُ المرادُ بالكِبْرِ: هو ما يأتي في النَّفسِ مِن عُجْبٍ وتَعالٍ على خَلقٍ مِن خَلْقِ اللهِ تعالى، وقد حذَّر اللهُ عزَّ وجلَّ مِن عاقبةِ المتكبِّرِ، والقولُ الأوَّلُ أقربُ؛ لأنَّ الكِبْرَ بالسُّكونِ يُذَمُّ مُطلَقًا وليس فيه حسَنٌ وسيِّئٌ، "وفِتْنةِ الدَّجَّالِ"، أي: يَتعوَّذُ مِن الوقوعِ في فِتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ وإدراكِ زَمانِه ومِحنَتِه الَّتي يَختبِرُ بها اللهُ عزَّ وجلَّ قلوبَ عبادِه، والدَّجَّالُ مِن الدَّجلِ: وهو التَّغطيةُ، سُمِّي به لأنَّه يُغطِّي الحَقَّ بباطِلِه. "وعذابِ القبرِ"، أي: مِن أنْ يقَعَ عليه عذابٌ في القبرِ، والتَّعوُّذُ مِن عذابِه مع أنَّ عذابَ ما بَعدَه لِمَن عُذِّب فيه أشدُّ، فإنَّه كذلك مَن أَمِن العذابَ فيه ورُحِم، كان ما بعدَه أرحمَ
وفي الحديثِ: التَّعوُّذُ باللهِ من كلِّ شرٍّ وفتنةٍ في الدُّنيا والآخِرَةِ
وفيه: إخبارٌ بالدَّجَّالِ، وهذا مِن علاماتِ النُّبوَّةِ
وفيه: إثباتٌ لعذابِ القبرِ