باب فضل الإنصات وترك اللغو يوم الجمعة
سنن النسائي
أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: أنبأنا جرير، عن منصور، عن أبي معشر زياد بن كليب، عن إبراهيم، عن علقمة، عن القرثع الضبي، وكان من القراء الأولين، عن سلمان، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر، ثم يخرج من بيته حتى يأتي الجمعة وينصت حتى يقضي صلاته إلا كان كفارة لما قبله من الجمعة»
الصَّلاةُ صِلَةٌ بين العَبدِ وربِّه، وليومِ الجُمُعَةِ والصَّلاةِ فيه فَضيلَةٌ عَظيمَةٌ؛ فإنَّ اللهَ سبحانه جعَل هذا اليومَ عيدًا للمسلمين، وجعَل فيه صلاةً وساعَةَ إجابَةٍ؛ فمَن صلَّى ووافَق ساعةَ الإجابَةِ فقد وفَّقه اللهُ إلى الخَيرِ العَظيمِ والثَّوابِ الجزيلِ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما مِن رجلٍ يَتطهَّرُ يومَ الجمعةِ كما أُمِر"، أي: كما أمَره الشَّرعُ بالوُضوءِ أو الاغتِسالِ الكامِلِ لصَلاةِ الجُمُعَةِ، أو التَّيمُّمِ، إنْ كان مِن أهلِه، أو المرادُ بالطَّهارةِ: ما يعُمُّ ما ذُكِر، وغيرَه مِن أنواعِ النَّظافةِ؛ كأخْذِ الشَّارِبِ، والظُّفرِ، والعانَةِ مثلًا، وقد أوضَحتْ ذلك رِوايةٌ أُخرى: "لا يَغتسِلُ رجُلٌ يومَ الجُمُعَةِ، ويَتطهَّرُ ما استطاعَ مِن طُهْرٍ، ثمَّ يَخرُجُ مِن بيتِه حتَّى يأتيَ الجمعَةَ"، قاصِدًا المسجِدَ لصَلاةِ الجُمُعَةِ، "ويُنصِتُ حتَّى يَقضيَ صلاتَه"، أي: يَستمِعُ إلى الخُطبَةِ باهتمامٍ وسُكونٍ، ثمَّ يُصلِّي صلاةَ الجُمُعَةِ مع الإمامِ والجَماعةِ، وفي رِوايةٍ: "فلا يُفرِّقُ بين اثنَينِ، ثمَّ يُصلِّي ما كُتِب له، ثمَّ يُنصِتُ إذا تَكلَّم الإمامُ"، "إلَّا كان كفَّارةً لِما قبلَه مِن الجُمُعَةِ"، أي: جعَل اللهُ ذلك كفَّارةً ومَحوًا وغُفرانًا لذُنوبِه الَّتي عَمِلَها طَوالَ أُسبوعِه الماضي، والمقصودُ أنَّ الصَّغائرَ هي الَّتي يَغفِرُها اللهُ، أمَّا الكبائِرُ فإنَّها تحتاجُ إلى توبةٍ تامَّةٍ، كما في صَحيحِ مُسلِمٍ مِن حديثِ أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "الصلواتُ الخَمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ، ورَمضانُ إلى رَمضانَ، مُكفِّراتٌ ما بينهنَّ إذا اجتَنَب الكبائِرَ"، وقدْ قال اللهُ تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]، أي: نَمْحُ عنكم صَغائِرَكم، ولا يَلزَمُ مِن ذلك أنْ لا يُكفِّرَ الصَّغائرَ إلَّا اجتِنابُ الكبائرِ، وإذا لَم يَكُنْ للمرءِ صَغائرُ تُكفَّرُ رُجي له أن يُكفَّرَ عنه بمِقدارِ ذلك مِن الكبائرِ، وإلَّا أُعطِيَ مِن الثَّوابِ بمقدارِ ذلك
وفي الحَديثِ: الحثُّ على التَّطهُّرِ والتَّنظُّفِ قَدْرَ الاستِطاعَةِ يومَ الجمعَةِ
وفيه: بَيانُ فضْلِ اللهِ على المسلِمينَ وغُفرانِه لذُنوبِهم بأعمالِ يومِ الجُمُعَةِ؛ مِن التَّنظُّفِ والتَّطهُّرِ، والإنصاتِ والصَّلاةِ