التمتع 2
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن حرملة، قال: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: حج علي وعثمان فلما كنا ببعض الطريق نهى عثمان عن التمتع فقال علي إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا فلبى علي وأصحابه بالعمرة، فلم ينههم عثمان فقال علي: ألم أخبر أنك تنهى عن التمتع " قال: بلى، قال له علي: «ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تمتع» قال: بلى
أَنْساكُ الحَجِّ ثَلاثةٌ: التَّمَتُّعُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالعُمْرةِ في أشهُرِ الحجِّ -وهي شَوَّالٌ وذو القَعدةِ، وذو الحِجَّةِ- ثُمَّ يَحِلَّ منها، ثُمَّ يُحْرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه. والقِرَانُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ والعُمْرَةِ معًا. والإفْرادُ؛ وهو أنْ يُحْرِمَ الحاجُّ بالحَجِّ فَقَطْ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي مَرْوانُ بنُ الحَكَمِ أنَّه شَهِدَ عُثْمانَ وَعَلِيًّا رَضيَ اللهُ عنهما بِعُسْفَانَ، وهي قَريةٌ على مَسافةِ ثَمانينَ مِيلًا (128 كم تقريبًا) مِن مكَّةَ شَمالًا على طَريقِ المَدينةِ، وَكان عُثْمانُ بنُ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه في خِلافتِه يَنهى عن المُتعةِ، أي: عن فَسْخِ الحَجِّ إلى العُمرةِ؛ لأنَّه كانَ يَرى أنَّ ذلك مَخصوصٌ بتِلكَ السَّنةِ الَّتي حَجَّ فيها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو عن التَّمتُّعِ المَشُهورِ دونَ فسْخٍ للحَجِّ، وكان يَنْهى أيضًا عن القِرانِ، وهو الإحرامُ بالحجِّ والعُمرةِ مَعًا، والنَّهيُ منه هنا للتَّنزيهِ تَرْغيبًا في الإفرادِ
فلمَّا رَأى عَلِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه النَّهيَ الواقِعَ مِن عُثْمَانَ رَضيَ اللهُ عنه عن المُتعةِ والقِرانِ أهَلَّ بالحجِّ والعُمرةِ قائلًا: لبَّيكَ بِعُمرةٍ وحَجَّةٍ، ثم قال: ما كُنتُ لِأَدَعَ سُنَّةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِقَولِ أحَدٍ، وإنَّما فَعَلَ ذلك التِزامًا بسُنةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وخَشيةَ أنْ يَحمِلَ غيرُه النَّهيَ على التَّحريمِ، فأشاعَ ذلك
ولم يَخْفَ على عُثْمانَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ التَّمتُّعَ والقِرانَ جائِزانِ، وإنَّما نَهى عنهُما؛ ليُعْمَلَ بالأفْضَلِ مِن وِجهةِ نَظَرِه، كما وَقَعَ لعُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، فكُلٌّ مُجتهِدٌ مَأجورٌ
وقد رَوَى النَّسائيُّ: أنَّ أبا مُوسى سَأَلَ عُمرَ عن ذلِك، فقال عُمرُ: قد عَلِمْتُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد فَعَلَه، ولكنْ كَرِهْتُ أنْ يَظلُّوا مُعرِّسينَ بهنَّ في الأراكِ، ثمَّ يَروحوا في الحجِّ تَقطُرُ رُؤوسُهم، ومعْناه: كَرِهْتُ التَّمتُّعَ؛ لأنَّه يَقتضي التَّحلُّلَ ووَطْءَ النِّساءِ إلى حِينِ الخُروجِ إلى الحجِّ. وفي صَحيحِ البخاريِّ: لَمَّا أمَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه بالمُتْعةِ -التَّمتُّع-، قال جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: «وأنَّ سُراقةَ بنَ مالكِ بنِ جُعْشُمٍ لقِيَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو بالعَقَبةِ وهو يَرميها، فقال: ألَكُم هذه خاصَّةً يا رسولَ اللهِ؟ قال: لا، بلْ للأبدِ»
وفي هذا الحديثِ: إشاعةُ العالِمِ ما عِندَه مِن العِلمِ، وإظهارُه ومُناظرتُه وُلاةَ الأُمورِ وغيرَهم لِمَن قَوِيَ على ذلك؛ لِقصْد مُناصَحةِ المُسلِمينَ
وفيه: مَشروعيَّةُ الإهلالِ بالعُمرةِ والحَجِّ معًا
وفيه: البَيانُ بالفِعْل مع القَولِ
وفيهِ: ما كانَ عليه عُثْمَانُ رَضيَ اللهُ عنه مِن الحِلْمِ، وأنَّه لا يَلومُ مُخالِفَه
وفيهِ: أنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم لم يَكونوا يَسكُتون عن قَولٍ يَرَون أنَّ غيرَه أمثلُ مِنهُ إلَّا بيَّنوه
وفيه: أنَّ طاعةَ الإمامِ إنَّما تَجِبُ في المَعروفِ