الرخصة في ترك القيام 3
سنن النسائي
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أنبأنا منصور، عن ابن سيرين، قال: مر بجنازة على الحسن بن علي، وابن عباس، فقام الحسن، ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن لابن عباس: «أما قام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» قال ابن عباس: «قام لها ثم قعد»
احترامُ الرُّوحِ الإنسانيَّةِ الَّتي أودَعَ اللهُ فيها سِرَّ الحياةِ هو تَعظيمٌ لخالقِها سُبحانَه وتَعالى
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ محمَّدُ بنُ سِيرينَ: "مُرَّ بجِنازةٍ"، والجِنازةُ: اسمٌ للميِّتِ في النَّعشِ، "على الحسنِ بنِ عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ، فقام الحسنُ، ولم يقُمِ ابنُ عبَّاسٍ"، أي: وقَفَ لها الحسنُ رضِيَ اللهُ عنه عند مُرورِ الجنازةِ عليهما، وظَلَّ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما جالسًا، "فقال الحسنُ لابنِ عبَّاسٍ: أمَا قام رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟" أي: أنَّ الحسنَ وقَفَ للجنازةِ لوُقوفِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "قال ابنُ عبَّاسٍ: قام لها، ثمَّ قعَدَ"، أي: وجُلوسُ ابنِ عبَّاسِ كذلك اتِّباعًا للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومُقْتضى الأحاديثِ الواردةِ في قيامِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للجنازةِ تُبيِّنُ أنَّ قِيامَه كان للملائكةِ المُصاحبةِ للجنازةِ، وكذلك لتعظيمِ أمْرِ الموتِ، وتَعظيمًا لأمْرِ النَّفسِ والرُّوحِ الَّتي قبضَتْها الملائكةُ، فمجموعُ تلك الأغراضِ جاءت سببًا لقيامِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عند مُرورِ الجنازةِ، وقد جاء في هذا الحديثِ عن ابنِ عبَّاسٍ ما ينسَخُ قيامَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للجِنازةِ، وفيه قال: "قام لها، ثمَّ قعَدَ"، وقيل: إنَّه ليس بنَسخٍ، ولكنْ هو للدِّلالةِ على أنَّ القيامَ ليس حتْمًا
وفي الحديثِ: تَعظيمُ أمْرِ الموتِ
وفيه: أنَّ اختلافَ الصَّحابةِ في الرِّوايةِ يَقْتضي الجمْعَ بين رِواياتِهم ومَعرفةَ الأسبابِ للتَّرجيحِ بينها
وفيه: بَيانُ حرْصِ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم على اتِّباعِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كلٌّ بما رَأى أو سمِعَ