الرخصة للمصلي أن يبصق خلفه أو تلقاء شماله
سنن النسائي
أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثني منصور، عن ربعي، عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كنت تصلي فلا تبزقن بين يديك ولا عن يمينك، وابصق خلفك أو تلقاء شمالك إن كان فارغا وإلا فهكذا» وبزق تحت رجله ودلكه
الصَّلاةُ عِبادةٌ رُوحيَّةٌ، يقِفُ فيها العبدُ بين يديِ اللهِ سُبحانَه؛ فيَنبغي عليه أنْ يَستكمِلَ آدابَ هذه الوقفةِ بمَّا علَّمَنا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ طارقُ بنُ عبدِ اللهِ المحاربيُّ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إذا كُنْتَ تُصلِّي فلا تبزُقَنَّ" والبَزْقُ والبَصْقُ: هو إخراجُ ما في الفَمِ من لُعابٍ أو مُخاطٍ زائدٍ، "بين يديْكَ"، أي: لا تبصُقْ أمامك؛ لأنَّه وِجهةُ القِبلةِ، ويكونُ المُصلِّي مُواجِهًا لربِّه، "ولا عن يمينِك"؛ تَشريفًا لجِهَةِ اليمينِ، وفي روايةِ البُخاريِّ عن أبي هُرَيرة: "فإنَّ عن يَمينِه مَلَكًا"؛ قيل: المُرادُ به المَلَكُ الَّذي يَحضُر المصلِّي لتأييدِه وإلهامِه، والتأمينِ على دُعائِه حالَ صَلاتِه، ويَحتمِلُ أنَّه المَلَكُ المُوكَّلُ بكَتْبِ الحسناتِ، "وابْصُقْ خلْفَك أو تِلقاءَ شِمالِك إنْ كان فارغًا"، أي: مِن المُصلِّين ونحوِهم، وهذا من بابِ التَّحرُّزِ عن أذى الآخرينَ، "وإلَّا"، أي: إنْ لم تكُنْ جهةَ الشِّمالِ أو الخلفِ فارغةً، "فهكذا- وبزَقَ تحتَ رِجْلِه-"، أي: بصَقَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تحتَ قدَمِه في التُّرابِ، والمُرادُ به رِجْلُه اليُسرى، كما جاء مُصرَّحًا به في روايةِ أبي داودَ، "ودلَكَه"، أي: فرَكَه في التُّرابِ وغطَّاه
وقدِ اسْتُشْكِلَ اختِصاصُ جِهةِ اليَمينِ بالمَنعِ مع أنَّ عَن يَسارِ المصلِّي مَلكًا آخَرَ، وأُجِيبَ باحتِمالِ اختصاصِ ذلك بمَلَكِ اليمينِ تَشريفًا له وتَكريمًا، وقيلَ: إنَّ الصَّلاةَ أمُّ الحسناتِ البدنيةِ؛ فلا دخْلَ لكاتبِ السَّيِّئاتِ فيها، ويَشهدُ له ما رواه ابنُ أبي شَيبةَ مِن حَديثِ حُذيفةَ موقوفًا قالَ: "ولا عن يَمينِه؛ فإنَّ عَنْ يمينِه كاتِبَ الحَسناتِ"، وفي الطبرانيِّ من حديثِ أبي أُمامَةَ: "فإنَّه يَقومُ بين يدَيِ اللهِ، ومَلَكُه عن يَمينِه، وقرينُه عن يَسارِه"؛ فالتَّفْلُ حِينئذٍ إنَّما يقعُ على القَرينِ وهو الشَّيطانُ، وقيل: لعلَّ مَلكَ اليَسارِ الموكَّلَ بكتْبِ السيِّئاتِ يَتنحَّى عنه حِينئذٍ يكونُ بحيثُ لا يُصيبُه شيءٌ مِن ذلك أو أنَّه يَتحوَّلُ في الصَّلاةِ إلى اليَمينِ
وفي الحديثِ: بَيانُ الْتزامِ المُصلِّي بالآدابِ في الصَّلاةِ، مع مُراعاةِ حقِّ اللهِ من التَّعظيمِ، وحقِّ المُصلِّين من التَّحرُّزِ عن أذيَّتِهم
وفيه: بَيانُ أنَّ المُصلِّيَ إذا كان على شِمالِه أحدٌ فإنَّه يبصُقُ تحتَ رجْلِه ويدلُكُه
وفيه: مُراعاةُ الشَّرعِ لحاجةِ المُصلِّي في الصَّلاةِ للحركةِ اليسيرةِ إذا كانت للحاجةِ