باب {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه}
بطاقات دعوية
عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال -أحسبه (وفي رواية: وهو) ابن عمر-: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}؛ قال: [قد] نسختها الآية التي بعدها.
مِن رَحمةِ اللهِ عَزَّ وجلَّ وفَضلِهِ على عِبادِه: أنَّه لا يُؤاخِذُ على الوَساوِسِ والخَطراتِ الَّتي تَأتي في نَفْسِ المُسلِمِ، ولا تَتحوَّلُ إلى عَملٍ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبر التابعيُّ مروانُ الأصفَرُ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ قولَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284]، أي: إن تُظهروا ما في داخِلِ نُفوسِكم وتُعلِنوهُ، أوْ تُخفوهُ؛ فإنَّكم مُحاسَبونَ به، قال: هذه الآيةُ نَسختْها الآيَةُ الَّتي بعْدَها، وهيَ قَولُه تَعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]، أي: لا يأمُرُ اللهُ عزَّ وجَلَّ العَبدَ إلَّا بما يدخُلُ في طاقَتِه وقُدرتِه، ولا يَشُقُّ عليه مشقَّةً غيرَ مُعتادةٍ لا يَستطيعُها، وإذا كانت بعضُ التكاليفِ التي كَلَّفنا اللهُ بها فيها مشَقَّةٌ، فإنَّ هذه المشَقَّةَ محتَمِلةٌ، وفي وُسعِ الإنسانِ وقُدرتِه وطاقتِه، وكلُّ نفسٍ ستُجازى بما عَمِلَت، فلها وحْدَها ثوابُ ما كسَبَت مِن حَسَناتٍ بسبَبِ أعمالِها الصَّالحةِ، وعليها وحْدَها عِقابُ ما اكتسبت من سَيِّئاتٍ بسَبَبِ أعمالِها القبيحةِ.
ثم ختم سُبحانَه الآيةَ بتلك الدَّعَواتِ الجامِعاتِ للسَّعادةِ حتى يُكثِرَ المؤمنون من التضَرُّعِ بها، وأوَّلُها: نتضَرَّعُ إليك رَبَّنا ألا تعاقِبَنا إن نَسِينا أمْرَك ونَهْيَك أو أخطَأْنا، ففعَلْنا خلافَ الصَّوابِ جَهلًا مِنَّا بوَجْهِه الشَّرعيِّ. وثانيها: ألَّا يُلقِيَ تكاليفَ وأعباءً شديدةً يَثقُلُ عليهم حَملُها ويَعجِزون عن أدائها، كما كان الحالُ مع الذين سبقوهم. وثالثُها: ألَّا تُحَمِّلَنا ما فوقَ طاقتِنا وقدرتِنا من المصائِبِ والعقوباتِ وغيرِ ذلك من الأمورِ التي لا نستطيعُها. ورابعُها وخامِسُها وسادِسُها: نسألُك يا رَبَّنا أن تعفوَ عَنَّا بأن تمحوَ عَنَّا ما ألمَمْنا به من ذنوبٍ وتتجاوَزَ عنها، وأن تغفِرَ لنا سيِّئاتِنا بأن تستُرَها ولا تَفْضَحنا بإظهارِها؛ فأنت وَحْدَك الغَفَّارُ السِّتِّيُر، وأن ترحَمَنا برحمتِك السَّابقةِ التي شمِلَت كُلَّ شَيءٍ. أنت مولانا وناصِرُنا وحافِظُنا ومُعينُنا وممِدُّنا بالخيرِ والهُدى، فانصُرْنا يا رَبَّنا على القَومِ الكافِرينَ.
فَرُفِعَتِ المُؤاخذَةُ على ما في النُّفوسِ، الثابتةُ بقَولِه تعالى: {أوْ تُخْفوهُ}؛ فَما كانَ مِنْ وَساوِسِ الصُّدورِ فَهوَ مَعفوٌّ عنه ما لَمْ يَتكلَّمِ المُسلمُ أوْ يَعمَلْ به كَما في الصَّحيحينِ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «إنَّ اللهَ تَجاوَزَ عَنْ أُمَّتي ما حَدَّثَتْ به أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكلَّمْ أوْ تَعْمَلْ بِه».
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ النَّسخَ واقِعٌ في بعضِ آياتِ كِتابِ اللهِ عزَّ وجَلَّ.