باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة
بطاقات دعوية
عن محمد بن أبي بكر الثقفي: أنه سأل أنس بن مالك رضي الله عنه، وهما غاديان (49) من منى إلى عرفة [عن التلبية 2/ 7]: كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال :كان يهل منا المهل (وفي رواية: يلبي الملبي)، فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر، فلا ينكر عليه
الحَجُّ رُكنٌ مِن أركانِ الإسلامِ، وهو عِبادةٌ عَظيمةٌ تَجتَمِعُ فيها كَثيرٌ مِن أنواعِ العِباداتِ، ومَنْ كان حَجُّهُ خالِصًا للهِ مُوافِقًا لهَدْيِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فليس له ثَوابٌ عندَ اللهِ إلَّا الجنَّةُ؛ فلذلك يَنبغِي على العَبدِ أنْ يَتَعلَّمَ كيف حَجَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابعيُّ محمَّدُ بنُ أبي بكرٍ الثَّقفيُّ أنَّه سَألَ أنَسَ بنَ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه عن الذِّكرِ المَشروعِ حِينَما يَدفَعُ الحُجَّاجُ مِن منًى إلى عرَفاتٍ، وكان هذا صَباحَ يومِ عرَفةَ، ويكونُ ذلك في اليومِ التاسعِ مِن ذي الحِجَّةِ، ومِنًى: وادٍ تُحيطُ به الجِبالُ، ويقَعُ شَرْقَ مكَّةَ، على الطَّريقِ بيْن مكَّةَ وجَبَلِ عَرَفةَ، ويَبعُدُ عن المسجدِ الحرامِ نحْوَ (6 كم) تَقريبًا، وفيه تُقامُ بَعضُ شَعائرِ الحجِّ؛ مِثلُ رمْيِ الجَمَراتِ. وعَرَفاتٌ: جَبَلٌ يقَعُ على الطَّريقِ بيْن مكَّةَ والطائفِ، ويَبعُدُ عن مكَّةَ حَوالَيْ (22 كم)، وعلى بُعدِ (10 كم) مِن مِنًى، و(6 كم) مِن مُزدلِفةَ، ويُقامُ عِندَه أهمُّ مَناسِكِ الحَجِّ، وهو الوُقوفُ بعَرَفةَ يومَ التاسعِ مِن شَهرِ ذي الحجَّةِ.
فأخْبَرَه أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم عندَما حَجُّوا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَجَّةَ الوداعِ في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهِجرةِ، كان بَعضُهم يُلبِّي، فيَقولُ: لَبَّيْك اللَّهُمَّ لَبَّيْك، ويَرفَعُ بها صَوتَه، ولا يُنكِرُ عليهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، بيْنَما البَعضُ الآخَرُ يُكبِّرُ ويَقولُ: اللهُ أكبَرُ، ويَرفَعُ بها صَوتَه، ولا يُنكِرُ عليهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا لم يُنكِرْ إظهارَ التَّكبيرِ للمُحرِمِ الَّذي وَظيفتُه إظهارُ التَّلبيةِ، فلَغَيرُ المُحرِمِ مِن أهلِ الأمصارِ أَوْلى، وهذا إقرارٌ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالذِّكرِ، سواءٌ كان بالتَّكبيرِ أو بالتَّلبيةِ. وقيل: المرادُ أنَّه يُدخِلُ شَيئًا مِن الذِّكرِ خِلالَ التَّلبيةِ، لا أنَّه يَترُكُ التَّلبيةَ بالكُلِّيَّةِ؛ لأنَّ المَرويَّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لم يَقطَعِ التَّلبيةَ حتى رَمَى جَمْرةَ العَقَبةِ.
والتَّلبيةُ إنَّما تُشرَعُ للحاجِّ، وأمَّا لغَيرِ الحاجِّ في سائرِ البِلادِ فيُشرَعُ له التَّكبيرُ مِن صُبحِ يومِ عَرَفةَ عَقِيبَ الصَّلواتِ إلى صَلاةِ العَصْرِ مِن آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ.
وفي الحَديثِ: دَليلٌ على أنَّ إظهارَ التَّكبيرِ يومَ عَرَفةَ مَشروعٌ، ولو كان صاحبُه مُحرِمًا قاصِدًا عَرَفةَ للوُقوفِ بها، مع أنَّ شِعارَ الإحرامِ التَّلبيةُ؛
وفيه: بَيانُ سَعةِ الأمرِ في الذِّكرِ يَومَ عَرَفةَ.