باب أخذ الأجر على التأذين
حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أخبرنا سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف بن عبد الله، عن عثمان بن أبي العاص، قال: قلت: - وقال موسى في موضع آخر إن عثمان بن أبي العاص قال - يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: «أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا»
كان النبي صلى الله عليه وسلم نعم المعلم والمربي لأصحابه وأمته من بعدهم، وكان يختار للناس ما يصلحهم في أنفسهم وما يصلح غيرهم من أمور الدين والدنيا، وكان يحب التخفيف على الناس في أمور العبادة، وخاصة الصلاة؛ حتى لا ينفر الناس ولا يملوا
وفي هذا الحديث يقول عثمان رضي الله عنه: "قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي"، أي: اجعل إلي أمرهم في إمامة الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت إمامهم"، أي: أجابه النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلبه وجعله إماما لقومه في الصلاة، وقد ورد أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولاه أمر قومه فجعله واليا عليهم؛ ليس قضاء لرغبته في ذلك، بل لأنه كان كفؤا للمنصب، ورجاء أن يكون في توليته صلاح قومه، وفي طلب عثمان أن يكون إماما لقومه وموافقة النبي صلى الله عليه وسلم له على ذلك: دلالة على مشروعية طلب الإمامة في الخير، كما في أدعية عباد الرحمن أنهم يقولون: {واجعلنا للمتقين إماما} [الفرقان: 74]، وهذا ليس من طلب رياسة الدنيا المكروهة، التي لا يعان عليها ولا يولاها من طلبها، ولا يستحق أن يعطاها، كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نولي هذا الأمر أحدا سأله أو حرص عليه"
ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "واقتد بأضعفهم"، أي: اجعل أضعف القوم مقياسا لصلاتك؛ حتى يبلغ الجميع حسن إمامتك دون خلل في الواجبات والأركان، وذلك بالتخفيف عنهم في الصلاة، ولا يسرع في سير إلا بالقدر الذي يقبله أضعفهم ويسير عليه، إذ لو سار على نهج الأصحاء والأقوياء لتخلف عنه الضعفاء، على العكس؛ فإنه لو رضي به الضعفاء وتبعوه لم يكن للأقوياء حجة في رفض إمامته لهم، والخروج عليه، ويدخل في الضعيف: المريض، والكبير، والعاجز، "واتخذ مؤذنا"، أي: واجعل لك مؤذنا لصلاة الفريضة، "لا يأخذ على أذانه أجرا"؛ اختلف في هذا النهي؛ فقيل: ليس للمؤذن أن يأخذ الأجرة على الأذان؛ لأنه استئجار على الطاعة، والإنسان في تحصيل الطاعة عامل لنفسه؛ فلا يجوز له أخذ الأجرة عليه، والأذان قربة يعود نفعها على آخذ الأجرة، والعوض والمعوض لا يجتمعان لشخص، وقيل: النهي محمول على من شرط أجرا لهذا الأذان، وأما من أعطاه الإمام أو من ينوب عنه عطاء بلا اشتراط، فلا بأس به ولا يدخل في هذا النهي، وكذا إذا أعطي المؤذن من بيت مال المسلمين؛ لأنه ليس عوضا وأجرة، بل رزق للإعانة على الطاعة؛ لأن بالمسلمين حاجة إلى الأذان، وقد لا يوجد متطوع به، وإذا لم يدفع الرزق فيه يعطل ، وبيت المال معد لمصالح المسلمين، ومنها الأذان
وقد ظهر صلاح ولاية عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنه لما توفي صلى الله عليه وسلم وأراد قومه الردة خطب فيهم، فقال: كنتم آخر الناس إسلاما؛ فلا تكونوا أولهم ارتدادا، فثبتوا على الإسلام
وفي الحديث: الحث على مراعاة حال الضعفاء، والتخفيف عليهم