باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها 1
بطاقات دعوية
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )) رواه مسلم .
والمراد بـ (( الغني )) غني النفس ، كما سبق في الحديث الصحيح .
كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه رضي الله عنهم على ما هو خير لهم في الدين والدنيا والآخرة، وبين لهم أن الأفضل للعبد أن يكون مستغنيا عن الناس مقبلا على الله دون رياء
وفي هذا الحديث يروي عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان في إبله يرعاها في البادية في موضع يسمى العقيق على بعد عشرة أميال من المدينة، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد آتيا، قال سعد: أعوذ بالله وأتحصن به من شر هذا الراكب، يقصد ولده عمر؛ حذرا إن كان قد أتى بأمر فيه شر له، وإنما قال ذلك؛ لأنه كان زمن الفتنة والتنازع على أمر الخلافة، وكان رضي الله عنه ممن قعد عن الفتنة بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولزم بيته، وأمر أهله ألا يخبروه من أخبار الناس بشيء حتى تجتمع الأمة على إمام، وكان ابنه عمر ممن اشتغل بأمر الفتنة وقاتل فيها
فنزل عمر من على دابته ودنا من أبيه، فقال له: «أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم» أي: يتخاصمون ويتقاتلون أيهم يأخذه؟ يحضه عمر بذلك على أن يشارك في أمر الملك والخلافة.
فلما سمعه سعد رضي الله عنه ضربه في صدره، تأديبا له على قوله هذا؛ لأن مثله لا ينبغي له أن يخاطب سعدا بمثل هذا الخطاب؛ لأنه أعلم منه بأمور الشريعة، وقال له: «اسكت»؛ لأن في كلامه حثا على المشاركة في إراقة دماء المسلمين، وذكر له قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي»، والتقي هو الآتي بما يجب عليه ويمتثل المأمورات، والغني هو غني النفس؛ فصاحب القناعة رضي بما قسم الله تعالى له ولا يطلب الملك والإمارة، هو الغني وليس كثير المال، وهذا هو الغني المحبوب. والخفي هو الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه، ولا يريد العلو ولا الظهور في مناصب الدنيا، فيبقى خاملا، والإشارة بالخفي إلى خمول الذكر والشهرة عند الناس، فالغالب على الخامل السلامة
وفي الحديث: الاعتزال من الناس في الفتنة التي لا يتضح فيها الحق
وفيه: بيان أن التقوى سبب محبة الله تعالى
وفيه: أن الله تعالى يحب العبد الغني المستغني به عن غيره