باب الأمر باستقبال المشرق أو المغرب عند الحاجة
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال أنبأنا غندر قال أنبأنا معمر قال أنبأنا بن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولكن ليشرق أو ليغرب
قال الشيخ الألباني : صحيح
حَرَص النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أن يُعلِّمَ أُمَّتَه كلَّ تَفاصيلِ الدِّينِ، ومِن ذلك أنْ علَّمَ أمَّتَه آدابَ التَّخلِّي، ودخولِ الحمَّاماتِ والكُنُفِ
وفي هذا الحديثِ يَروي الصَّحابيُّ أبو أيُّوبَ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى مَن أرادَ قَضاءَ حاجتِه مِن بَولٍ أو غائطٍ أنْ يَستقبِلَ القِبلةَ وجِهةَ الكَعبةِ، أو أن يَستدبِرَها؛ احترامًا لها وتَعظيمًا؛ لأنَّها جِهةُ المسلِمينَ في الصَّلاةِ، يتَّجِهُون إليها مِن كلِّ مكانٍ، ولأنَّها تُمثِّلُ بيتَ اللهِ الحَرامَ. والغائطُ: هو الموضِعُ المطمئِنُّ مِن الأرضِ، كانوا يَنتابُونَه للحاجةِ، فكَنَّوْا به عن نفْسِ الحدَثِ؛ كراهةً لذِكْرِه بخاصِّ اسمِه.وقال: «ولكنْ شَرِّقوا أو غَرِّبوا»، أي: فاستَقبِلوا جِهةَ الشَّرقِ أو الغربِ لقَضاءِ الحاجةِ، وهذا الخطابُ لأهلِ المدينةِ ومَن في معناهم مِمَّن قِبلتُه على هذا السَّمْتِ، فأمَّا مَن كانتْ قِبلتُه مِن جِهةِ المشرقِ أو المغربِ فالمقصودُ الإرشادُ إلى جِهةٍ أخرى لا يَكونُ فيها استِقبالُ القِبلةِ ولا استِدبارُها. ثمَّ يقولُ أبو أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه: فقَدِمْنا الشامَ -وهي الآنَ تَشملُ: سُوريَةَ، والأُردنَّ، وفِلسطينَ، ولبنانَ- فوَجَدْنا مَراحيضَ، والمِرْحاضُ هو المُغتَسلُ، وهي أماكنُ مِثلُ البيتِ مُخصَّصةٌ لقَضاءِ الحاجةِ، وكان أهلُ الشامِ قد بَنَوْا هذه المراحيضَ تُجاهَ القِبلةِ دُونَ قصْدٍ منهم، أو لعَدمِ عِلمِهم بالنَّهيِ عن ذلك، أو لأنَّهم يَرَوْنَ أنَّ النهيَ غيرُ شامِلٍ لتِلكَ الأَبنيةِ، قال: «فنَنحَرِفُ، ونَستغفِرُ اللهَ تعالى»، أي: نَجتهِدُ في المَيلِ بأجسادِنا عن اتِّجاهِ القِبلةِ بالقَدرِ المُستطاعِ وما تَسمَحُ به تلك البُيوتُ، ثم نَستغفِرُ اللهَ ممَّا لو وقَعْنا في مَحظورٍ شرعيٍّ، وهذا مِن تَمامِ الإيمانِ عِندَ الصحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم؛ فإنَّ الاجتهادَ وحْدَه يَكفي لرَفْعِ هذا المحظورِ الذي يَجِدُ الإنسانُ فيه الحرجَ؛ لكنَّهم مع ذلك يَستغفِرونَ ضَمانًا لهم، وإيمانًا بحَديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا الاستِغفارُ يكونُ خارجَ المراحيضِ لا بداخلِها؛ للنَّهيِ الواردِ عن ذِكرِ اللهِ تعالى في الكُنُفِ ومَواضِعِ قَضاءِ الحاجةِ.وهذا يُشعِرُ بأنَّ الحُكمَ في البُنيانِ كما هو في الصَّحراءِ مِن غيرِ فَرْقٍ، وهذا مذهبُ أبي أيُّوبَ رَضيَ اللهُ عنه، وقد ورَدَ عن ابنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّهيَ عن ذلك مختَصٌّ بالفَضاءِ، فإذا كان بيْنَه وبيْنَ القِبلةِ شَيءٌ يَستُرُه، فلا بأسَ؛ ففي الصَّحيحَينِ عن ابنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: «رَقِيتُ على بَيتِ أُختي حَفْصةَ، فرأيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قاعدًا لحاجتِه، مُستقبِلَ الشَّامِ، مُستدبِرَ القِبلةِ»