باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر1

سنن ابن ماجه

باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر1

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام، عن هشام ابن سعد، عن عمرو بن عثمان، عن عاصم بن عمر بن عثمان، عن عروة
عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اؤمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم" (1)

حثَّ الشَّرعُ الحكيمُ على الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ، وفي هذا الحديثِ تقولُ عائشةُ رَضِي اللهُ عنها: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم قال: "مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ"، أي: حُثُّوا وأرشِدوا إلى فِعلِ المعروفِ، وهو كلُّ خيرٍ وبِرٍّ مِن الطَّاعاتِ، وفَضائلِ الأعمالِ، يَشمَلُ ذلك أعمالَ الدُّنيا والآخِرَةِ، "وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ"، أي: امتَنِعوا وامْنَعوا غيرَكم عن المنكَرِ، وهو كلُّ أفعالِ الشَّرِّ والعِصْيانِ، وما خالفَ الشَّرْعَ، "قبْلَ أنْ تَدْعُوا اللهَ فَلا يَسْتَجِيبَ لكُمْ"، أي: إنَّ تَرْكَ العمَلِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ مِن أسبابِ عدَمِ إجابةِ الدُّعاءِ؛ لأنَّ ذلك من عدمِ الاستجابةِ لأمْرِ الله، ومَن تركَ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ نُزِعتْ منه الطَّاعةُ.
والأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عن المنكَرِ مِن أعظَمِ مميِّزاتِ الشَّرعِ الإسلاميِّ، وهو وظيفةُ الأنبياءِ والرُّسلِ، ومِن بَعدِهم العُلماءُ قادةُ الأمَّةِ، ومُعلِّموها، وبهما تتَفاضَلُ الأممُ؛ قال اللهُ تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران: 110]؛ فإنَّها خيرُ أمَّةٍ لأجلِ ذلك، وقد كانتِ الأممُ السابقةُ يتَساهَلون في الأمرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المنكَرِ، ويَسكُتون على مَن فعَل ذلك؛ ولذلك شنَّع الله تعالى عليهم في غيرِ آيةٍ من القُرآنِ الكريمِ.
قال العلماءُ: هذا الحديثُ مَعْناه أنَّ البلاءَ قد يُرفَعُ عن غيرِ الصَّالِحين إذا كَثُر المُصلِحون، فأمَّا إذا كَثُر المفسِدون وقلَّ الصَّالِحون هلَك المفسِدون والصَّالحون معَهم إذا لم يَأمُروا بالمعروفِ ويَكرَهوا ما صنَع المفسِدون، وهو معنى قولِه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]؛ بل يَعُمُّ شُؤمُها على الجميعِ؛ مَن تَعاطاها ومَن رَضِيَها، وينبَغي لِلْمُسْلمِ ألا يَترُكَ هذا البابَ بل يُقومُ به ولا يمنعُه عنه صَداقةُ شخصٍ أو مَودَّتُه ومُداهنَتُه وطلَبُ الوَجاهةِ عِندَه ودَوامُ المنزِلةِ لدَيه.