باب التجارة في الخمر2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاووس
عن ابن عباس، قال: بلغ عمر أن سمرة باع خمرا، فقال: قاتل الله سمرة، ألم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها" (1)
حرَّمَ اللهُ سُبحانه وتعالَى الخَمْرَ، وبيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ تَحريمَ الخَمْرِ يَدخُلُ فيه تَحريمُ بَيعِها وشِرائِها وحَمْلِها، وكذلك الاحتيالُ على الحكمِ الشَّرعيِّ بتَغييرِ أسمائِها، وما إلى ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ الخَليفةَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه بَلَغَه أنَّ رجُلًا بَاعَ خَمْرًا، والرَّجلُ المقصودُ هو سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ رَضيَ اللهُ عنه، كما في صَحيحِ مُسلمٍ، واختُلِفَ في كَيفِيَّة بَيعِ سَمُرَةَ رَضيَ اللهُ عنه لِلخَمرِ على ثَلاثةِ أقوالٍ؛ أحدُها: أنَّه أخَذَها مِن أهلِ الكتابِ عِن قِيمةِ الجِزيةِ، أو حَصلَتْ له عَن غَنيمةٍ أو غيرِها، فَباعَها لهم مُعتقِدًا جَوازَ ذلك. والثَّاني: يَجوزُ أنْ يكونَ باع العَصيرَ مِمَّنْ يَتَّخذُه النَّاسُ خَمْرًا، والعصيرُ يُسمَّى خَمرًا كما قد يُسمَّى العِنَبُ به؛ لأنَّه يَؤولُ إليها. والثَّالثُ: أنْ يكونَ خَلَّلَ الخمرَ وباعَها، واعتَقَدَ سَمُرَةُ رَضيَ اللهُ عنه الجوازَ، فَغضِبَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه لذلك، وقال: قاتَلَ اللهُ فلانًا، وهو دَعاءٌ عليه بالهَلاكِ، أو لم يُرَدْ بها ظاهرَها، بلْ هي كَلمةٌ تَقولُها العرَبُ عندَ إرادةِ الزَّجْرِ، فقالَها في حقِّه تَغليظًا عليه؛ ألَمْ يَعلَمْ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: قاتَلَ اللهُ اليهودَ؛ حُرِّمَتْ عليهمُ الشُّحومُ، والمرادُ بها: شُحومَ المَيتةِ أو شُحومَ البقرِ والغنَمِ، كما أخْبَر تعالَى بِقولِه: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146]، فَجمَلُوها، أي: أَذابُوه واستخْرَجُوا دُهْنَه، وباعُوه احتيالًا ومَكرًا، فاستَحقُّوا اللَّعنةَ بذلك، وذلك أنَّ اللهَ تعالَى جَعَلَ الخمْرَ نَجِسةً، فحُكْمُها أنَّه لا يَحِلُّ بَيعُها ولا شِراؤها، ولا أكْلُ أثْمانِها كحُكْمِ سائرِ النَّجاساتِ؛ مِن المَيتةِ والدَّمِ والعَذِرةِ والبَولِ، وذلك هو المعْنى الذى مُثِّلَ به بائعُ الخمْرِ وآكِلُ ثَمنِها بالبائعِ مِن اليهودِ للشُّحومِ وآكِلِ أثْمانِها؛ إذ كانتِ الشُّحومُ حَرامٌ أكْلُها على اليهودِ، نَجِسةً عندهم نَجاسةَ الخمْرِ والمَيتةِ في دِينِنا، فكان بائعُها منهم وآكِلُ ثَمنِها نَظيرَ بائعِ الخمْرِ مِنَّا وآكِلِ ثَمنِها.
وفي الحديثِ: إبطالُ الحِيَلِ والوَسائلِ إلى المُحرَّمِ.
وفيه: استِعْمالُ القِياسِ في الأَشْباهِ والنَّظائرِ.
وفيه: أنَّ الشَّيءَ إذا حُرِّمَ عَينُه حُرِّمَ ثَمنُه.