باب الترجيع في الأذان 2

سنن ابن ماجه

باب الترجيع في الأذان 2

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا همام بن يحيى، عن عامر الأحول، أن مكحولا حدثه، أن عبد الله بن محيريز حدثهأن أبا محذورة حدثه، قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، الأذان: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله". والإقامة سبع عشرة كلمة: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" (1).

الأذانُ هو إعلامُ النَّاسِ بدُخولِ وقتِ الصَّلاةِ، وكلماتُ الأذانِ كلماتٌ جامِعةٌ لعَقيدةِ الإيمانِ والتَّوحيدِ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أبو مَحذورةَ رَضيَ اللهُ عنه صيغةَ الأذانِ كما علَّمَها له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وولَّاه إيَّاه في مكَّةَ، وكانَ ذلك سَنةَ ثَمانٍ منَ الهِجرةِ بعدَ غَزوةِ حُنَينَ: «اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ»، وهذه اللَّفظةُ مع اختِصارِها دالَّةٌ على إثباتِ الذَّاتِ، وما يَستحِقُّه منَ الكَمالِ والتَّنزيهِ عن أضدادِها، وقيلَ: مَعناه: اللهُ أكبَرُ من كلِّ شيءٍ؛ أي: أعظَمُ، وقيلَ: مَعناه: اللهُ أكبَرُ من أن يُعرَفَ كُنه كِبريائه وعَظَمتِه. ثُمَّ يَقولُ: «أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ»، وهذا تَصريحٌ بإثباتِ الوَحدانيَّةِ، ونَفيِ ضِدِّها منَ الشَّرِكةِ المُستَحيلةِ في حقِّه سُبحانَه وتَعالَى، وهذه عُمدةُ الإيمانِ والتَّوحيدِ، المُقدَّمةُ على كلِّ وظائفِ الدِّينِ، ومَعناها: أشهَدُ أن لا مَعبودَ بحقٍّ إلَّا اللهُ، ثُمَّ يَقولُ: «أَشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، أَشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ»، فيُصرِّحُ بالشَّهادةِ بالرِّسالةِ لنبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي قاعدةٌ عظيمةٌ بعدَ الشَّهادةِ بالوَحدانيَّةِ، ومَوضِعُها بعدَ التَّوحيدِ، ثُمَّ يَدعو المُسلِمين إلى ما دَعاهم إليه اللهُ منَ العِباداتِ فيَقولُ: «حَيَّ على الصَّلاةِ (مرَّتَينِ)» ومَعناها: أَقبِلُوا إلى الصَّلاةِ، وجَعَلَها عَقِبَ إثباتِ النُّبوَّةِ؛ لأنَّ مَعرفةَ وُجوبِها من جِهةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لا من جِهةِ العَقلِ، «حَيَّ على الفَلَاحِ (مرَّتَينِ)» وهو الفَوزُ والبقاءُ في النَّعيمِ المُقيمِ، وفيه إشعارٌ بأُمورِ الآخِرةِ منَ البَعثِ والجزاءِ، وفي روايةِ أبي داودَ: «فإنْ كانَ صَلاةُ الصُّبحِ قُلْتَ: الصَّلاةُ خيرٌ منَ النَّومِ، الصَّلاةُ خيرٌ منَ النَّومِ»، ثُمَّ يَقولُ: «اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ». وقد جاءَ في رِواياتٍ أُخرى عندَ أبي داودَ والنَّسائيِّ: «اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرُ» أربَعَ مرَّاتٍ في أوَّلِه.
وقد شُرِعَ تَكريرُ ألفاظِ الأذانِ لزِيادةِ الإعلامِ بوَقتِ الصَّلاةِ، وأن تُنطَقَ كلماتُه مرَّتَينِ وتَعدَّدتِ الجُمَلُ في الأذانِ ولم يَكتفِ بجُملةٍ أو جُملتَين؛ للمُبالَغةِ في تَحقيقِ الغَرَضِ منه.
وفي الحديثِ: بيانُ إحدى صِيَغِ الأذانِ.
وفيه: بيانُ فَضلِ أبي مَحذورةَ رَضيَ اللهُ عنه، حيثُ لقَّنَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأذانَ بنَفسِه.