باب التوقي في التجارة 2
سنن ابن ماجه
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه
عن جده رفاعة، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا الناس يتبايعون بكرة، فناداهم: "يا معشر التجار"، فلما رفعوا أبصارهم، ومدوا أعناقهم، قال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا، إلا من اتقى (1) وبر وصدق" (2).
لَمَّا جاء الإسلامُ أرشَد ونظَّم للنَّاسِ المعامَلاتِ بما يَحفَظُ حُقوقَ الجميعِ، وكذلك جاءَ بما يَحفَظُ على المرءِ دِينَه وألَّا يُفسِدَه بما يقَعُ فيه مِن مُعامَلاتٍ سيِّئةٍ في الدُّنيا.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ رِفاعةُ بنُ رافعٍ رَضِي اللهُ عنه: "أنَّه خرَج معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّمَ إلى المصلَّى، فرأَى"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "النَّاسَ يَتَبايَعون"، أي: يقَعُ بَينَهم بَيعٌ وشِراءٌ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا مَعشرَ التُّجَّارِ"؛ قال رفاعةُ: "فاستَجابوا لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: لنِدائِه، "ورفَعوا أعناقَهم وأبصارَهم إليه"، أي: التفَتُوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وليسَ مُجرَّدَ أنَّهم استمَعوا له بآذانِهم، وهذا بَيانٌ لشِدَّةِ استِجابَتِهم وانتظارِهم لِمَا سيَقولُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويُوصيهم به، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ التَّجُّارَ يُبعَثون يومَ القيامةِ فُجَّارًا"، أي: لِمَا قد يقَعُ مِنهم مِن الأحلافِ والأيمانِ والتَّدليسِ في البَيعِ ونحوِ ذلك، يَستحِلُّون به بيعَهم، والفُجورُ: استِحْلالُ المعاصي والمُحرَّماتِ، والانطلاقُ فيها، "إلَّا مَن اتَّقَى اللهَ، وبَرَّ وصدَق"، أي: استَثْنى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِنهم مَن يتَّقي اللهَ عزَّ وجلَّ في بَيعِه، فلم يَغُشَّ ولم يَخُنْ في البيعِ وصدَق المشترِيَ فيما معَه مِن سِلعةٍ، وكذلك فيما كان منه مِن أَيمانٍ.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على الاستِجابةِ والاهتِمامِ لأوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وأوامرِ نبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: حَثُّ البائعِ على الصِّدقِ والتَّقوى في بَيعِه.