باب الجماعة في الليلة المطيرة 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن خالد الحذاء [عن أبي قلابة] (1) عن أبي المليح قال:
خرجت في ليلة مطيرة، فلما رجعت استفتحت، فقال أبي: من هذا؟ قال: أبو المليح، قال: لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومالحديبية، وأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا في رحالكم" (1).
شريعةُ الإسلامِ شريعةٌ سمحةٌ مُيسَّرةٌ، ومن مظاهرِ ذلك: أنَّه مع أهميَّةِ صَلاةِ الجماعةِ في المسجدِ إلَّا أنَّها راعَتْ ظُروفَ النَّاسِ في بَعضِ الأوقاتِ الحرِجَةِ الَّتي يكونُ الذَّهابُ فيها إلى المسجِدِ صَعبًا؛ مثلُ وُجودِ ريحٍ أو مطَرٍ أو خوفٍ، أو غيرِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في يَومِ جُمُعةٍ يومِ مطَرٍ: "صَلُّوا"، أي: صلاةَ الجُمُعةِ، أو الصَّلواتِ المكتوبةَ، "في رِحالِكم"، أي: صَلُّوا في أماكنِكم ومَنازِلِكم، ولا تخرُجُوا إلى المَسجِدِ، ولكم رُخصةٌ في ذلك.
وفي الصَّحيحَينِ، أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما قال لمُؤذِّنِه في يومٍ مَطيرٍ: إذا قلْتَ: أشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، فلا تقُلْ: حَيَّ على الصَّلاةِ، قُلْ: صَلُّوا في بُيوتِكم؛ فكأنَّ النَّاسَ استَنْكروا، قال: فعَلَه مَن هو خيرٌ مِنِّي، إنَّ الجُمعةَ عَزْمةٌ، وإنِّي كرِهْتُ أنْ أُحْرِجَكم، فتمشونَ في الطِّينِ والدَّحَضِ"، يريدُ أنَّ الحرَجَ مَدفوعٌ في الدِّينِ، وفي حُضورِهم في المطَرِ حَرجٌ؛ فالأحسنُ إعلامُهم بأنَّ الحرَجَ مَدفوعٌ عنهم بمثْلِ هذه المُناداةِ، ولولا هذا الإعلامُ لَحَضَروا.
وفي الحديثِ: تَيسيرُ الشَّرعِ على النَّاسِ ورفْعُه للحرَجِ في وَقتِ الاضطرارِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الصَّلاةِ في البُيوتِ وعدَمُ الذَّهابِ للمساجِدِ وقْتَ المطَرِ والرِّيحِ وغيرِه ممَّا يُعيقُ الذَّهابَ إلى المساجِدِ.