باب الدعاء بالعفو والعافية1
سنن ابن ماجه
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، حدثنا ابن أبي فديك، أخبرني سلمة بن وردان
عن أنس بن مالك، قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل، فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: "سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة" ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: "سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة"، ثم أتاه في اليوم الثالث، فقال: يا نبي الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: "سل ربك العفو والعافية، في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فقد أفلحت" (2)
نِعمةُ العافيةِ مِن أعظمِ النِّعمِ بعدَ نِعمةِ الهِدايةِ والإيمانِ، ومَن رُزِقَ العافيةَ، فقد حازَ نفائِسَ الرِّزقِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه، "سمعْتُ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ رضِيَ اللهُ عنه يقولُ على هذا المِنبَرِ"، أي: على مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ في هذا اليومِ عامَ أوَّلٍ"، أي: يخطُبُ في نفْسِ هذا اليومِ من العامِ الماضي، قال أبو بكرٍ رضِيَ اللهُ عنه: "فاستعْبَرَ"، أي: دَمَع وبَكَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُحدِّثُ الناسَ؛ خوفًا على أُمَّته من الفِتنِ والبلايا. يقول أبو هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه: "ثم استعْبَرَ أبو بكرٍ فبَكَى" يعني: تأثَّر أبو بكرٍ لَمَّا تذكَّر بكاءَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فبكى مِثلَه، ثم قال أبو بكرٍ رضِيَ اللهُ عنه: "سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: لم تُؤْتَوْا شيئًا بعدَ كلمةِ الإخلاصِ"، أي: ليس هناك نِعمةٌ بعدَ شَهادةِ التوحيدِ والإيمانِ بالله، "مِثلَ العافيةِ"، وهي السَّلامةُ في الدِّينِ من الفِتنةِ، وفي البدَنِ من سيِّئِ الأسقامِ وشِدَّةِ المِحنةِ؛ فهي من الألفاظِ العامَّةِ المُتناوِلةِ لدَفْعِ جَميعِ المكروهاتِ، وهي بذلك أجَلُّ نِعَمِ اللهِ على عبدِه؛ فيتعيَّنُ مُراعاتُها وحِفظُها؛ "فسَلوا اللهَ العافيةَ"، أي: اطلُبوا منه عزَّ وجلَّ أنْ يَمُنَّ عليكم بها؛ فإنَّها نِعمةٌ عَظيمةٌ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على الدُّعاءِ وطلَبِ العافيةِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: بيانُ مدَى حُبِّ الصَّحابةِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحِرصِهم على اتِّباعِه في أدقِّ تَفاصيلِ حياتِه، حتى في موضِعِ بُكائِه وتأثُّره( ).