باب الرؤيا إذا عبرت وقعت فلا يقصها إلا على واد
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر، حدثنا هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عدس العقيلي
عن عمه أبي رزين، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت" قال: "والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" قال: وأحسبه قال: "لا يقصها إلا على واد أو ذي رأي" (1)
حثَّ الشَّرعُ الحَنيفُ على التَّفاؤُلِ والبِشْرِ، وبيَّنَ أنَّه لم يَبْقَ من النُّبوَّةِ بَعدَ انقِطاعِ الوَحيِ إلَّا مُبشِّراتٌ تَتمثَّلُ في رُؤًى يَراها المُؤمِنونَ فيَستَبشِرونَ بها.
وفي هذا الحَديثِ: يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "رُؤْيا المُؤمِنِ"، أي: الرُّؤى الصَّالِحةُ الصَّادِقةُ التي يَراها المُؤمِنونَ في مَنامِهِم، "جُزءٌ من أربَعينَ جُزءًا من النُّبوَّةِ"، أي: أنَّ النُّبوَّةَ قد قُسِّمَت أربَعينَ جُزءًا، وجُعِلَتِ الرُّؤَى جُزءٌ من تلك الأجْزاءِ، فالرُّؤى للعبادِ بمَثابةِ الوَحْيِ الَّذي يُوحي اللهُ به إلى أنبيائِهِ، "وهي"، أي: الرُّؤى، "على رِجلِ طائِرٍ"، أي: مُعلَّقةٌ لا قَرارَ لها أي: لا تَقَعُ وتَتحقَّقُ، "ما لم يُحدِّثْ بها"، أي: ما لم يَتَكلَّمْ بها الرَّائي، ويُفصِحُ عنها لأحَدٍ، "فإذا تَحدَّثَ بها سَقَطَتْ"، أي: فإذا تَحدَّثَ الرَّائي بما رآهُ في الرُّؤْيا وَقَعَتْ وتَحقَّقَتْ؛ وذلِكَ على تَأويلِها، فالرُّؤْيا تَتَحقَّقُ على تَأويلِها وتَفْسيرِها، "قالَ"، أي: قال أبو رُزَينٍ العُقَيليُّ راوي الحَديثِ: "وأحسِبُهُ قالَ"، أي: وأحسِبُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "ولا تُحدِّثْ بها إلَّا "، أي: ولا تَقُصَ الرُّؤْيا لأحَدٍ إلَّا "لَبيبًا"، أي: عاقِلًا حَكيمًا "أو حَبيبًا"، أي: مُحِبًّا لك من أحِبَّائِكَ؛ وذلِكَ لأنَّهما سَوفَ يَعبُرانِ الخَيرَ ويَكتُمانِ الشَّرَّ؛ لِئلَّا يقَعَ، فهُما في الغالِبِ سوف يُخبِرانِ الرائيَ بما يُحِبُّهُ وبما يَسُرُّه، وإذا كان في الرُّؤْيا مَكْروهٌ أو شرٌّ، فسوف يَكتُمانِهِ، فالرُّؤْيا إذا فُسِّرَتْ وَقَعَتْ.
وفي الحَديثِ: فَضلُ الرُّؤى الصَّالِحةِ وحَظُّها من النُّبوَّةِ.
وفيه: التَّحْذيرُ مِن تَعْبيرِ رُؤى الشَّرِّ؛ لِئلَّا تَقَعَ( ).