باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء 4
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو المغلس، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى بن الوليد
عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في شرب النخل من السيل: أن الأعلى فالأعلى يشرب قبل الأسفل، ويترك الماء إلى الكعبين، ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه، وكذلك، حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء (1).
حرَص النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على بيانِ كلِّ ما يُؤدِّي إلى عدَمِ التنازُعِ والخِصامِ أو أخْذِ الحقِّ ممَّن هو له، ومن ذلك بيانُه كيفيَّةَ التَّعاملِ بين النَّاسِ فيما يقَعُ فيه اختِلافٌ بينهم في سِقايةِ الزَّرعِ.
كما يُخْبِرُ عُبادةُ بنُ الصَّامتِ رضِيَ اللهُ عنه في هذا الحديثِ، "أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قضَى في شُربِ النَّخلِ مِن السَّيلِ"، أي: من ماءِ السَّيلِ الواردِ مِن المطرِ، أو المخزونِ من ماءِ المطرِ بين الوِديانِ، أو الماءِ الجاري مِن العُيونِ والآبارِ وغيرِ ذلك، "أنَّ الأعلى فالأعلى يَشرَبُ قبلَ الأسفلِ، ويُتْرَكُ الماءُ إلى الكعبينِ"، أي: يتْرُكُ الأعلى الماءَ في أرضِه حتَّى يبلُغَ ارتفاعُه إلى كَعبيِ الرِّجْلِ، وهذا حَدُّ الكِفايةِ لرِيِّ الزَّرعِ، "ثمَّ يُرْسَلُ الماءُ إلى الأسفلِ الَّذي يَلِيه، وكذلك حتَّى تَنْقضيَ الحوائطُ"، أي: حتَّى يَنْتهيَ رِيُّ جَميعِ الحُقولِ والحَدائقِ، "أو يَفْنى الماءُ"، أي: يُسْتنفَذُ الماءُ في الحُقولِ الأُولى، وهذا تَنظيمٌ لعمليَّةِ الرِّيِّ والسُّقيا بين النَّاسِ، وأمَّا قولُه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للزُّبيرِ- كما روى البخاريُّ-: "اسْقِ، ثمَّ احْبِسْ حتَّى يَبْلُغَ الجَدْرَ"، فقيل: كان هذا عُقوبةً لخَصمِه الَّذي اتَّهمَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمُحاباتِه للزُّبيرِ؛ لأنَّه ابنُ عمَّتِه، وقيل: بل هو المُستحِقُّ، وكان أمْرُه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالتَّفضُّلِ. وقيل: العِبرةُ بالكِفايةِ للأعلى؛ لأنَّ الأراضيَ مُختلفةٌ، فيُمسِكُ لكلِّ أرضٍ ما يَكْفيها.