باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 3
سنن النسائي
أخبرنا إسحق بن منصور، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا يونس بن أبي إسحق، عن بريد بن أبي مريم، قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات»
لقدْ شَرَّفَ اللهُ عزَّ وجلَّ نَبيَّه مُحمدًا صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وفَضَّلَه بفضائلَ عدَّةٍ؛ فمنها أنَّه جعَل لِمَن صلَّى عليه ثوابًا كبيرًا عظيمًا، كما يقولُ صلَّى الله عليه وسلَّم
في الحديثِ: "مَن صلَّى علَيَّ صلاةً واحدةً"، والصَّلاةُ هنا إمَّا أن تكونَ بمعنى الدُّعاءِ على أصلِ معناها اللُّغويِّ، أي: مَن دعا لي مرَّةً واحدةً، بأنْ قال: اللَّهمَّ صَلِّ على محمَّدٍ، أو ما في معناها، أو تكونَ الصَّلاةُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بمعنى طَلَبِ التَّعظيمِ له والتَّبجيلِ لجَنَابِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن اللهِ، "صلَّى اللهُ عليه عَشْرَ صَلَواتٍ"، أي: ضاعَفَ اللهُ الجزاءَ للمُصلِّي على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عَشْرَ مرَّاتٍ، والصَّلاةُ مِن اللهِ على عِبادِه هي ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى، وقيل: هي رحمتُه إيَّاهم، وأنَّه يَرحَمُهم رحمةً بعدَ رحمةٍ حتى تَبلُغَ رحمتُه ذلك العَددَ. وقيل: المرادُ بصلاتِه عليهم إقبالُه عليهم بعَطْفِه وإخراجُهم مِن ظُلمةٍ إلى رِفعةٍ ونُورٍ، كما قال سبحانَه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43]؛ فيَحتمِلُ أنْ يكونَ المعنى: أنَّ اللهَ يرحَمُه رحمةً مُضاعَفةً، فيُضاعِفُ أجْرَه، كقولِه تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ} الآية [الأنعام: 160]، أو يَذكُرُ ربُّنا سُبحانَه وتعالى المُصلِّيَ على النَّبيِّ في الملأِ الأعلى؛ تَشريفًا له وتكريمًا على صلاتِه ودعائِه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ويكونُ هذا مِن بابِ قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ في الحديثِ القُدسيِّ الذي أخرَجَه البخاريُّ، أنَّ اللهَ تعالى قال: "أنا عِندَ ظنِّ عَبْدي بي، وأنا مَعَه إذا ذَكَرني؛ فإنْ ذكَرَني في نَفْسِه، ذكَرْتُه في نفسي، وإنْ ذكَرني في ملأٍ، ذكَرْتُه في ملأٍ خَيرٍ منه"؛ فتكونُ بذلك صَلاةُ المُسلِمِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أفضَلَ مِن دُعائِه لنَفْسِه؛ لأنَّ اللهَ سيُصلِّي على عَبدِه ويَرحَمُه
"وحُطَّتْ عنه عَشْرُ خَطِيئاتٍ"، أي: وُضِعَتْ عنه وغُفِرَتْ، "ورُفِعَتْ له عَشْرُ درجاتٍ"، أي: عَلَتْ مَنزلتُه في الجنَّةِ عَشْرَ دَرجاتٍ، وقيل: في الدُّنيا بتَوفيقِه للطَّاعاتِ، وفي القِيامةِ بتثقيلِ الحسَناتِ، وفي الجنَّةِ بزِيادةِ الكراماتِ
وفي الحديثِ: إكرامُ اللهِ لنبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وإعلاؤُه لذِكْرِه
وفيه: الحثُّ على الإكثارِ مِن الصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم