باب الكفالة 3
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر، حدثنا شعبة، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، قال: سمعت عبد الله بن أبي قتادة
عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: "صلوا على صاحبكم فإن عليه دينا، فقال أبو قتادة: أنا أتكفل به، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بالوفاء؟ " قال: بالوفاء. وكان الذي عليه ثمانية عشر أو تسعة عشر درهما (1).
الدَّيْنُ مِن حُقوقِ العِباد التي يَجِبُ الوَفاءُ بها؛ فالمَدِينُ يَنبغي له أنْ يُبْرِئَ ذِمَّتَه مِن الدَّيْنِ المُسْتَحَقِّ عليه، ولعِظَمِ أمْرِ الدَّينِ وخَطَرِه، كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يُصلِّي على أحدٍ ماتَ عليه دَيْنٌ، وليس في تَرِكَتِه ما يُمْكِنُ سَدادُه منْه.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي سَلَمةُ بنُ الأكوَعِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا جالِسين عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجِيءَ إليه بثَلاثِ جَنازاتٍ مُتفرِّقاتٍ؛ ليُصلِّيَ عليها، فلَمَّا سَأَلَ عن الميِّتِ الأَوَّلِ وعَلِم أنَّه ليس عليه دَيْنٌ، صَلَّى عليه، ولَمَّا سأَلَ عن الثاني، وعَلِم أنَّ عليه دَيْنًا لكنَّه تَرَك ثَلاثةَ دَنانيرَ يُوفَّى منها الدَّينُ؛ صَلَّى عليه، فلمَّا أُتِيَ بِجَنازَةٍ ثالثةٍ، وعَلِم أنَّ صاحبَها عليه دَيْنٌ -ثَلاثةُ دَنانيرَ- ولم يَترُكْ شَيئًا يُوفَّى به الدَّينُ؛ لم يُصَلِّ عليه، وقال لأصحابِه: صَلُّوا على صاحبِكم، فتَكفَّلَ أبو قَتادةَ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه بسَدادِ دَينِ هذا الميِّتِ، فصَلَّى عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ الدَّينَ قد نُقل مِن ذِمَّةِ الميِّتِ إلى ذِمَّةِ رجُلٍ آخَرَ، فتَحمَّلَها عنه، وفي الحَمالةِ بَراءةٌ لذِمَّةِ الميِّتِ مِن الدَّينِ.
وفي الحديثِ: التَّشديدُ في أمْرِ الدُّيونِ، وأنَّه يَعلَقُ برَقَبةِ المَدينِ بعْدَ مَوتِه حتَّى يُقْضى عنه بأيِّ صُورةٍ.
وفيه: حِمايةُ الإسلامِ لحُقوقِ النَّاسِ الماليَّةِ.