باب النذر فيما لا يملك وفي معصية
بطاقات دعوية
عن ابن عباس قال:
بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه".
لا يُكلِّفُ اللهُ نفسًا إلَّا وُسعَها، وشَرْطُ التَّكليفِ بأيِّ عمَلٍ هو العِلمُ والاستطاعةُ، وهذا أصلٌ مِن أصولِ التَّشريعِ الإسلاميِّ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأى رجُلًا كَبيرًا طاعنًا في السِّنِّ قد وَهَنَ عظْمُه وضَعُفَت قُواهُ، وأصبَحَ لا يَستطيعُ السَّيرَ إلَّا مُستعينًا بغَيرِه، فهو يُهادَى بيْن ابنَيْهِ، أي: يَمْشي بيْنَهما مُتوكِّئًا عليهما، فسَأَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن حالِه: ما بالُ هذا لا يَتمالَكُ نفْسَه ويَكادُ يَسقُطُ على الأرضِ مِن شِدَّةِ الإِعياءِ والتَّعَبِ؟ فأخْبَروه بأنَّه قدْ نذَرَ أنْ يَحُجَّ إلى بَيتِ اللهِ الحرامِ ماشيًا، فاستنكَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِعلَه هذا، وقال: إنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عن تَعذيبِ هذا نفْسَه وتَكليفِها ما تَعجِزُ عنه ولا تَقدِرُ عليه؛ فهو القائلُ عزَّ وجلَّ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وأمَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَركَبَ؛ لكونه عجز عن الوفاء بنذره، وهذا بَيانٌ أنَّ الغرَضَ مِن فرْضِ العباداتِ ليس التَّعذيبَ والتَّعجيزَ، وإنَّما الامتثالُ للأمرِ والطَّاعةُ، ولا أحدَ أرحمُ بالخلائقِ مِن بارئِها سُبحانه وتعالَى.
وفي الحَديثِ: بَيانُ تَيسيرِ الشَّرعِ في مَواطنِ الاضطرارِ والشِّدَّةِ.
وفيه: أنَّ تَكاليفَ الدِّينِ مَبنيَّةٌ على قدْرِ استطاعةِ العبْدِ على العمَلِ.
وفيه: إثباتُ صِفةِ الغِنَى لِلهِ سُبحانَه وتعالَى؛ فهو الغنيُّ بذاتِه سُبحانَه، والخَلقُ كلُّهم مُفتَقِرونَ إليه سُبحانَه وتعالَى.