حدثنا القاسم بن أحمد البغدادى حدثنا أبو عامر عن زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عمرو عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال « اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة ».
في هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّصلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: «اترُكوا الحَبَشةَ ما تَرَكوكم»؛ أي: لا تَسْعوا في حَرْبِهم ما دامُوا لمْ يَسعَوْا همْ في حَربِكم؛ وذلكَ لِمَا لَهم مِنَالشَّرِّ والبأْسِ، والحَبَشُ: جِنسٌ مِن أجْناسِ السُّودانِ، وأمَّا تَخصيصُ الحَبَشةِ بتَرْكِ قِتالِهم فَلِأنَّ بِلادَ الحَبَشةِ وغَيرَها بيْنَ المُسلِمينَ وبَيْنهم صِعابٌ وقِفارٌ، فلمْ يُكلَّفِ المُسلِمونَ دُخولَ دِيارِهم؛ لكَثرةِ التَّعبِ وعِظَمِ المَشقَّةِ، وأمَّا إذا دَخَلوا بلادَ المُسلِمينَ قَهرًا، فلا يَجوزُ لأحدٍ ترْكُ القِتالِ؛ لأنَّ الجِهادَ في هذه الحالةِ فرْضُ عَينٍ، «فإنَّه لا يَستَخرِجُ كَنْزَ الكَعْبةِ»؛ أي: الكَنزَ المدفونَ بها؛ والمرادُ: خَرابُها وهَدمُها في آخِرِ الزَّمانِ، «إلَّا ذو السُّوَيقَتينِ مِنَ الحَبَشةِ»؛ أي: إلَّا رَجُلٌ مِنَ الحَبَشةِ مِن صِفَتِه أنَّ ساقَه دَقيقةٌ وصَغيرةٌ
ولا يُعارِضُ هذا قَولَه تَعالَى: { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا } [ القصص: 57 ]؛ لأنَّ معناهُ: آمِنًا إلى قُربِ القِيامةِ وخَرابِ الدُّنْيا
وقيلَ: يُخَصُّ منه قِصَّةُ ذي السُّوَيقَتينِ، أو أنَّه تَعالَى جعَلَهُ حَرَمًا آمِنًا باعتِبارِ غالِبِ الأَحْوالِ، كما يدُلُّ عليه قَضِيَّةُ ابنِ الزُّبَيرِ، وقِصَّةُ القَرامِطةِ ونَحوُها، والمرادُ بجعْلِه حَرَمًا آمِنًا: أنَّه حُكْمٌ أنَّ على المُسلِمينَ أنْ يُؤَمِّنوا النَّاسَ، ولا يَتعَرَّضوا لأحَدٍ فيه.
وقيلَ: إنَّ ذلكَ لا يَتعارَضُ معَ قَولِه تَعالَى: { حَرَمًا آمِنًا }[ القصص: 57 ]؛ لأنَّ خَرابَ البَيتِ يكونُ في وَقتٍ ليسَ به مُسلِمٌ واحدٌ على وجْهِ الأرْضِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ بَعضِ دَلائلِ نبُوَّتِه الشَّريفةِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم.