باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم وكل محفلة
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا تلقوا الركبان، ولايبيع بعضكم على بيع بعض، ولاتناجشوا، ولا يبيع حاضر لباد (85)، ولا تصروا [الإبل و] الغنم، ومن ابتاعها؛ فهو بخير النظرين؛ بعد أن يحتلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا (وفي طريق: ففي حلبتها صاع) من تمر (342 - وفي رواية: من طعام، وهو بالخيار ثلاثا، والتمر أكثر (86))
لقدْ نظَّمَ الشَّرعُ أُمورَ التَّعامُلِ بيْن النَّاسِ في البَيعِ والشَّراءِ، وأَوضَح أمورًا لا بُدَّ منها؛ حتى لا يَتنازَعَ النَّاسُ فيما بيْنهم، وحتى تَتِمَّ الصَّفقاتُ بيْنهم وهي خاليةٌ مِن الجَهالةِ أو الخِداعِ أو الحُرْمةِ.
وفي هذا الحديثِ يَنْهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بَعضِ المُعاملاتِ الَّتي يَترتَّبُ عليها الغِشُّ والخِداعُ في البُيوعِ، وتُؤدِّي إلى الضَّررِ بالبائِعِ أو المُشتري، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا تَلَقَّوُا الرُّكبانَ»، يَعنِي: لا تَستَقبِلوا الَّذين يَحمِلون بَضائِعَهم إلى بَلدٍ ما ليَبيعُوا، فتَشتَروا مِنهم قبْلَ قُدومِهم إلى الأسواقِ ومَعرفَةِ أسعارِها؛ لأنَّ هذا يَضُرُّ بالبائعِ؛ لأنَّهم قد يَشتَرون منه بأَقلَّ مِن سِعرِها المعروفِ، وقد يَضُرُّ بأهلِ البَلدِ؛ لأنَّهم قد يَزيدونَ في ثَمنِها عليهم.
«ولا يَبِعْ بَعضُكم على بَيْعِ بَعضٍ»؛ وذلك بأنْ يَقولَ لِمَنِ اشتَرى سِلعَةً في زَمَنِ الخيارِ: افْسَخْ؛ لأَبِيعَك خيرًا منه بمِثْلِ ثَمنِه، أو مِثلَه بأَنقَصَ، وكذا الشِّراءُ على شِرائِه؛ بأنْ يقولَ للبائعِ: افْسَخْ لأَشتَرِيَ منك بأَزْيَدَ.
«ولا تَناجَشوا» والنَّجْشُ هو الزِّيادةُ في ثَمنِ السِّلعةِ ممَّن لا يُريدُ شِراءَها؛ بلْ لِيَخدَعَ غيرَه ويَغُرَّه لِيَزيدَ في ثَمنِها ويَشتريَها.
«ولَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» البادي: هو الَّذي يَسكُنُ الصَّحراءَ، فنَهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَتولَّى الحضَرِيُّ بَيعَ سِلعةٍ للبادي؛ وذلك بِأنْ يَأتيَ أحدُ أهلِ البادِيَة ليَبِيعَ سِلعتَه في إِحْدَى القُرَى أو المُدُنِ، فيقولَ له أحدُ سُكَّانِ هذه القريةِ أو المدينةِ: اتْرُكْها لي وأنا أَبِيعُها لك بثَمَنٍ أعْلى، فيكونُ له سِمْسَارًا في البيعِ، وكذلك الأمرُ في شِراءِ الحاضرِ لِلْبادي.
«ولا تُصَرُّوا الغَنَمَ»، أي: لا تَترُكوا حَلْبَها أيَّامًا حتَّى يَمتلِئَ ضَرْعُها، فيَظُنَّ المُشتري أنَّها حَلوبٌ كثيرةُ اللَّبنِ، ويُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن اشْتَراها وحَلَبَها ثُمَّ اكتَشَفَ أنَّ البائعَ خَدَعَه، فهو مُخَيَّرٌ بيْن شَيئينِ: أنْ يَقبَلَ بها ويُمضِيَ البَيعَ، أو يَرُدَّها على البائعِ الَّذي خَدَعَه ومعها صاعٌ مِن تَمْرٍ، بدلًا منَ اللَّبنِ الَّذي حَلَبَه منها.
وفي الحديثِ: بَيانُ حِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على كلِّ ما هو خَيرٌ لأمَّتِه، ورِفقِهِ بها، حتى في المصالحِ الدُّنيويَّةِ.
وفيه: أنَّ الإمامَ ووَلِيَّ الأمرِ يُرشِدُ النَّاسَ في أعمالِ بُيوعِهم وشِرائِهِم داخِلَ الأسواقِ.