باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء
بطاقات دعوية
عن أبي حازم قال كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه فقلت له يا أبا هريرة ما هذا الوضوء فقال يا بني فروخ (3) أنتم ها هنا لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت خليلي يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء (1). (م 1/ 151)
الوُضوءُ والطَّهارةُ من شَعائرِ المؤمنينَ، وأثَرُ الوُضوءِ يَظهَرُ على المسلمين نُورًا يومَ القيامةِ، وبه يَعرِفُهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ حَوضِهِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ أبو حازمٍ الأشجعيُّ أنَّه كانَ واقِفًا خَلْفَ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه وهو يَتَوَضَّأُ للصَّلاةِ، فَكانَ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه يَغسِلُ يَدَيه وذِراعَيه إلى أن يَبلُغَ الإبطَينِ؛ مُبالَغةً ورَغبةً في غَسلِ أطوَلِ جُزءٍ مِنَ الذِّارعَينِ، فسألَه أبو حازمٍ عن سببِ هذا الوُضوءِ الذي لم يَعهَد أن يَرَى أحدًا يَتوضَّأُ مِثلَه، فقالَ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «يا بَنِي فرُّوخَ، أنتُم هاهُنا؟» أي: حاضِرُونَ وتَرَوني، وبَنُو فرُّوخَ: هُمُ العَجَمُ، وقيلَ: إنَّ فرُّوخَ من وَلدِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وهُو أخو إسماعيلَ وإسحاقَ، ومِن ولدِه العَجَمُ، ثُمَّ أخبَرَ أنَّه لو يَعلَمُ أنَّ أحدًا يَراه ما تَوضَّأ هذا الوُضوءَ.
وأرادَ أبو هُرَيرةَ بكَلامِه هذا أنَّه يَنبَغي لمَن يُقتدى به إذا تَرخَّصَ في أمرٍ أو تَشدَّدَ فيه مع نفسِه، أو لاعتقادِه في ذلك مَذهَبًا شَذَّ به عنِ النَّاسِ: ألَّا يَفعَلَه بحَضرةِ العامَّةِ؛ لئلَّا يَترخَّصوا برُخصتِه لغَيرِ ضَرورةٍ أو يَعتقِدُوا أنَّ ما تَشدَّدَ فيه هو الفرضُ.
ثُمَّ قالَ أبو هُرَيرةَ مُبيِّنًا مُستنَدَه في هذا الوُضوءِ: «سَمِعتُ خَلِيلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: تبلُغُ الحِليةُ منَ المؤْمِنِ حَيْثُ يَبلُغُ الوُضوءُ»، والمقصودُ أنَّ المؤمِنَ يُحلَّى في الجنَّةِ وتكونُ هذه الحِليةُ إلى حيثُ يَبلُغُ الوضوءُ، فتَبلُغُ الحِليةُ في اليدينِ إلى المِرفقَينِ؛ لأنَّ الوضوءَ يَبلُغُ إلى المِرفَقينِ؛ فكان مُرادُ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أن يَبلُغَ بوُضوئه أبعَدَ ما يَستطيعُ من أعضائه؛ ليَبلُغَ به الحِليةَ في الجَنَّةِ.
وفي الحديثِ: بيانُ شرفِ المؤمِنِ من هذه الأُمَّةِ حيثُ خُصَّت بالغُرَّةِ والتَّحجيلِ.
وفيه: أنَّه يَنبغي للعالِمِ ألَّا يَفعَلَ عندَ العَوامِّ ما لا يَعرِفُونَ، إذا خافَ عليهم أن يَفهَموا منه غيرَ المُرادِ.
وفيه: بيانُ فضلِ إطالةِ الغُرَّةِ والتَّحجيلِ بمُجاوَزةِ مَحلِّ الفَرضِ.