باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود
بطاقات دعوية
عن أبي مسعودٍ أنَّ رجلاً قالَ: واللَهِ يا رسولَ اللهِ! إني لأَتَأخَّرُ عن صلاةِ الغداةِ من أجل فلانٍ؛ ممَّا يُطيلُ بنا [فيها]، فما رأيتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -[قط] في موعظةٍ أشَدَّ غضَباً منْه يومئذٍ، ثم قالَ:
" [يا أيها الناس!] إنَّ منكم منفِّرينَ، فأيّكم ما صلَّى بالناسِ فليتجوّزْ؛ فإن فيهمُ الضعيفَ، (وفي روايةٍ: المريضَ)، والكبيرَ، وذا الحاجة".
جاءت الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ باليُسرِ ورَفْعِ الحرَجِ عن المُكلَّفينَ في العِباداتِ وغيرِها، لا سيَّما مع أصحابِ الأعذارِ.
وفي هذا الحديثِ يروي أبو مَسعودٍ عُقبةُ بنُ عَمرٍو الأنصاريُّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشكا له أنَّه يَتأخَّرُ عَن صَلاةِ الصُّبحِ مِن أجْلِ أنَّ الإمامَ الذي يصَلِّي وراءَه يُطيلُ في الصَّلاةِ، فلمَّا سمع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك غَضِبَ غَضَبًا شديدًا لم يغضَبْ مِثْلَه قَبْلَ ذلك، ثم قام فخطَبَ النَّاسَ في ذلك الأمرِ واشتَدَّ غَضَبُه، حتى كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذلك اليومِ أشدَّ غَضبًا منه في الأيَّامِ الأُخرِ، ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أيُّها النَّاسُ، إنَّ منكم مُنفِّرِينَ»، يعني: يُنفِّرُون النَّاسَ من الصَّلاةِ ويُكرِّهون إليهم الصَّلاةَ ويُثَقِّلونها عليهم، وإنَّما جعَل الخِطابَ للنَّاسِ ولم يُعيِّن المُطوِّلَ كَرَمًا ولُطفًا عليه، وكان مِن عادتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لا يُخصِّصُ العتابَ والتَّأديبَ بمَن يَستحِقُّه؛ لكيْ لا يَحصُلَ له الخجلُ ونحوُه على رُؤوسِ الأشهادِ، وحتى يكونَ النُّصحُ للجَميعِ.
ثم أوصى النَّاسَ أنَّ من صلَّى إمامًا بالنَّاسِ فلْيُخفِّفْ صَلاتَه؛ لأنَّ مِنَ المأمومينَ الكبيرَ والضَّعيفَ ومَن له حاجةٌ يُريدُ قَضاءَها، فيكونُ التطويلُ مَدعاةً للنُّفورِ مِنَ الصَّلاةِ في الجماعةِ وعَدَمِ الرَّغبةِ فيها، أمَّا التخفيفُ ففيه تيسيرٌ وتسهيلٌ على المأمومينَ، فيَخرُجون من الصَّلاةِ وهم لها راغِبون.
وفي الحَديثِ: الغَضَبُ لِمَا يُنكَرُ مِن أُمورِ الدِّينِ.
وفيه: والرِّفْقُ والتَّيسيرُ على الأمَّةِ.