باب ترك الوضوء من مس الذكر
عن قيس بن طلق بن علي الحنفي، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وهل هو إلا مضغة منه؟ أو بضعة منه؟»، وفي الباب عن أبي أمامة،: " وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض التابعين: أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر، وهو قول أهل الكوفة، وابن المبارك، وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب «، وقد روى هذا الحديث أيوب بن عتبة، ومحمد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه،» وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر، وأيوب بن عتبة "، وحديث ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر أصح وأحسن
حَثَّ الإسلامُ على السَّعيِ في طَلبِ معرفةِ أحكامِ الدِّينِ وشَرائعِه، وسُؤالِ أهلِ العِلمِ فيما أَشكَلَ ويُطلَبُ بيانُ أمرِه. ... وفي هذا الحديثِ يقولُ طَلْقُ بنُ عليٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "خرَجْنا وَفْدًا"، والوَفْدُ: جماعةٌ مِن القومِ، وهم وفدُ بني حَنيفةَ، وكانوا ستَّةَ نفَرٍ، قال: "حتَّى قَدِمْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، قيل: وكان قُدومُهم على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أوَّلَ سنَةٍ مِن الهجرةِ، حيثُ كان المُسلِمونَ يَبنون مسجِدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالمدينةِ، "فبايَعْناه"، أي: عاهَدْناه على الإسلامِ، "وصلَّيْنا معه، فلمَّا قضى الصَّلاةَ"، أي: فرَغ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن صلاتِه، "جاء رجُلٌ كأنَّه بَدَوِيٌّ"، والبَدَوِيُّ: هو الَّذي يسكُنُ الباديةَ، وهي: الصَّحراءُ، فقال: "يا رسولَ اللهِ، ما ترى في رجُلٍ مَسَّ ذَكَرَه في الصَّلاةِ؟ "، أي: ما حُكمُ صلاتِه ووُضوئِه؟ وفي روايةٍ: "ما ترى في مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَه بعدَما يَتوضَّأُ؟ "، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وهل هو"، أي: الذَّكَرُ، "إلَّا مُضْغةٌ منكَ- أو بَضْعةٌ منك-"، أي: جزءٌ مِن الجسَدِ، مِثلُه مِثلُ باقي أجزاءِ الجسَدِ في مَسِّها؟! وهذا بيانُ أنَّ مَسَّه للذَّكَرِ ليس بناقضٍ للوضوءِ.ولكِنْ أخرَج الإمامُ مالكٌ في الموطَّأ والإمامُ أحمدُ في المُسنَدِ وأصحابُ السُّنَنِ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "مَن مسَّ ذكَرَه فليتوضَّأْ"؛ فقيل: إنَّ حديثَ الأمرِ بالوُضوءِ مِن مَسِّ الذَّكرِ ناسخٌ لحديثِ "وهل هو إلَّا مُضْغةٌ منكَ"؛ فإنَّ ذلك كان في أوَّلِ الأمرِ، ثمَّ أمَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالوُضوءِ منه، والقولُ بالوضوءِ مِن مَسِّ الذَّكرِ صَحَّتْ به أحاديثُ كثيرةٌ، وعليه العَملُ.
وقيل: تُحمَلُ أحاديثُ الأمْرِ بالوُضوءِ لِمَن مَسَّ ذَكرَه على غَسْلِ اليَدِ، لكنْ لا يصحُّ حملُه على غَسلِ اليدِ إلَّا بقرينةٍ، وهي غيرُ موجودةٍ في أحاديثِ الأمرِ بالوضوءِ، وقيل: يُتوضَّأُ مِن مسِّ الذَّكرِ إنْ كان مسُّ العُضوِ بشهوةٍ، ولا يُتوضَّأُ مِنه بدونِها، ولكن قيدُ الشهوةِ أيضًا لم يرِدْ الأحاديثِ، وقيل غير ذلك.وهذا كلُّه إذا مَسَّ ذَكَرَه دونَ حائلٍ، فإنَّه يتوضَّأُ، أمَّا إذا مسَّه مِن فوقِ الثِّيابِ أو بحائلٍ، فلا وضوءَ عليه، كما صُرِّحَ به في الحَديثِ الذي أخرَجَه البيهقيُّ والطبرانيُّ في الصغير عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا أفضَى أحدُكم بيَدِه إلى فَرْجِه ليس دُونَها حجابٌ؛ فقد وجَبَ الوضوءُ