باب مناقب أبي الأعور، واسمه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا حصين، عن هلال بن يساف، عن عبد الله بن ظالم المازني، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أنه قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم. قيل: وكيف ذاك؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء، فقال: «اثبت حراء، فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد». قيل: ومن هم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف. قيل فمن العاشر؟ قال: أنا: «هذا حديث حسن صحيح» وقد روي من غير وجه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم " حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا الحجاج بن محمد قال: حدثني شعبة، عن الحر بن الصياح، عن عبد الرحمن بن الأخنس، عن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه. هذا حديث حسن
كان الصَّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهم يَعْرِفُ بعضُهم قَدْرَ بَعضٍ، ويَذُبُّ بعضُهم عن بعضٍ ما يَنالُهم مِن غيرِهم، وممَّا يَقَعُ فيهم ممَّن جاؤوا بَعْدَهم، يَدَّعونَ الدِّينَ والإسلامَ.
وفي هذا الحديثِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ- وهو على حِراءَ"، أي: لَمَّا صَعِدوا فوقَه واهْتَزَّ به الجَبَلُ-: "اثْبُتْ حِراءُ"، أي: اسْكُنْ ولا تَهْتزَّ، وحِراءُ: جَبَلٌ بمَكَّةَ يَبعُدُ عنها حوالي 5كم، كان يَتعبَّدُ فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبْلَ البعْثةِ، وقد قال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هذا القولَ حين تَحرَّكَ الجَبَلُ سُرورًا بقُدومِه عليه، "إنَّه ليس عليك إلَّا نبيٌّ، أو صِدِّيقٌ، أو شهيدٌ"، والمُرادُ بالصِّدِّيقِ: أبو بَكْرٍ، والشَّهيدُ مَجْموعُ مَنْ كان مَعَه مِن الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهم.
قال عبدُ اللهِ- وهو ابنُ ظالِمٍ المازنيُّ-: "ومَنِ التِّسعةُ؟"، وذلك أنَّه سَمِعَ سَعيدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمرِو بنِ نُفْيلٍ رضِيَ اللهُ عنه قال- لِما قَدِمَ فلانٌ إلى الكوفةِ أقام فلانٌ خَطيبًا، وفي رِوايةٍ: "أنَّه كان في المسجدِ فذَكَرَ رَجُلٌ عليًّا رضي الله عنه"، أي: عابَه وأساءَ إليهِ، قال عبدُ اللهِ بنُ ظالِمٍ: "فأَخَذ بيَدي سَعيدُ بنُ زيدٍ"، أي: أَمْسَكَ بها- فقال سعيدٌ: "ألَا تَرى إلى هذا الظَّالِمِ"، يُشيرُ إلى الَّذي يَخْطُبُ ويُسيءُ إلى عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، "فأَشْهَدُ على التِّسعةِ أنَّهم في الجَنَّةِ"، أي: مِن الصَّحابةِ شَهِدَ لهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالجَنَّةِ، "ولو شَهِدْتُ على العاشِرِ"، أي: عاشِرِ هؤلاءِ الصحابَةِ، "لم إيثَمْ- قال ابنُ إدريسَ: والعربُ تقولُ: آثَم-"، أي: لم أَكُنْ أقَعُ في الإثمِ لذِكْري إيَّاه، وذلك أنَّ العاشِرَ هو سعيدُ بنُ زيدٍ، ومُرادُه بالإثْمِ هو أنْ يكونَ في ذِكْرِه رياءٌ؛ فقال عبدُ اللهِ بنُ ظالِمٍ لسَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: "ومَنِ التَّسعةُ؟"، أي: الشُّهداءُ، أي: الَّذين كانوا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الجَبَلِ، قال سعيدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْه- التِّسعةُ غيرُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "أبو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثمانُ، وعَليٌّ، وطَلْحَةُ، والزُّبيرُ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عَوفٍ، وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ"، قال عبدُ اللهِ: "ومَنِ العاشِرُ؟"، أي: الَّذي ذُكِرَ مَعَهُمْ، "فتَلكَّأَ هُنَيَّةً"، أي: تأخَّرَ في الإجابةِ قليلًا مِنَ الوقتِ، ثمَّ قال: "أنا"، أي: سعيدُ بنُ زيدٍ؛ فمَنَ قُتِلَ مِنْهم فهو شَهيدٌ، ومَنْ مات مِنْهم - كسعدِ بن أبي وقَّاصٍ وعبدِ الرحمنِ بن عوف؛ حيثُ ماتَا على فِراشِهما- فإنَّه لم يَمُتْ إلَّا مُتمنِّيًا لأنْ يُسْتَشْهَدَ في سبيلِ اللهِ، فيُبلِّغهم اللهُ عزَّ وجلَّ مَنازِلَ الشُّهداءِ.
وفي الحديثِ: السَّعيُ والاجْتِهادُ في إنكارِ المُنْكَرِ باليدِ واللِّسانِ.
وفيه: بيانُ فضيلةِ هؤلاءِ المذكورينَ في الحديثِ.
وفيه: التزكيةُ والثناءُ على الشَّخصِ وتَبشيرُه في وجْهِه إذا لم يُخَفْ عليه فتنةٌ بإعجابٍ ونحوِه.
وفيه: عَلَمٌ مِنْ أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.